كتب هذا النص في صيف 1996، مقدمة للمعرض الذي نظمه الفنان محمد شبعة بقاعة دولاكروا بطنجة في تلك السنة. ثم اختاره شبعة سنة 2001 وجعله مقدمة لكتابه الوعي البصري بالمغرب. منشورات اتحاد كتاب المغرب 2001
ليس ثمة نسق من المقولات أو القواعد جاهزٌ يُمَكِّنكَ من ولوج عالم محمد شبعة التشكيلي. غير أنك إذا أسلمت عينيك إلى فضاءات اللوحات وغِبتَ عن نفسك ساعة، فإن اليقين سيدركك، بعد عودة الروح إليك، بأن أعماله مغامرة محسوبة وبحث يقظ عن هذا النسق من القواعد. أعماله إذن تكتسي صفة الحدث من هذا الموقع المختلف الذي يزيدها قربا من العقل كلما أوغلتْ بعيدا في الحس.
محمد شبعة فنان ثائر على آفة الحكي في التشكيل. فهو لا يقبل أن تصير اللوحة حكايةً تُروى في حضرة زوار المعارض؛ لأنه يعلم أن حكمة البصر تتعطل ويهيمن منطق اللفظ بمجرد ما تتحول اللوحة إلى نص معرض للحكي.
إن منطق اللفظ لا يمسك إلا بالمندرج تحت لائحة الأسماء التي سبق العلم بها. لذلك يبحث شبعة في التخوم المستعصية على الأسماء عما حان ميقات تسميته ولم يُسَمَّ بعد. إنه يُقوض مبدأ الحكي لينسج بالألوان أكوانا على غير مثالٍ سَبَق. فاللوحة عنده ليست رمزا للأشياء، بل رقصة تعلن انتصار البصيرة على العمى.
إن شبعة يدرك، ربما أكثر من غيره، ثقل الألفاظ في ثقافتنا وسحرها؛ لذلك اقترنت الريشة في تاريخه الفني بالقلم وعانقته. فشبعة فنان انقادت له الألوان والحروف على حد سواء، وعلم بها على امتداد ثلاثة عقود أو يزيد أجيالا من الفنانين، وقاد حركات وتظاهرات تشكيليةً لعبت دورا بارزا في التحسيس بأهمية الفنون البصرية عموما بالمغرب. ومازالت نصوصه وتصريحاته تنير المسالك لكل من خفيت عليه شؤون اللون وشجونه في المغرب.
غير أن شبعة لم يُسَخِّر يوما قلمه أو يثقفه ليشرح للناس ما يرسمه بالريشة، بل كان ولا يزال يلقن العيون كيف تتحرر من سلطة النص، ويحثها على إعمال البصر والتفنن في الإمعان. قال يوما بعد أن ضاق صدره بكثرة ما يروج من حشو لفظي عن التشكيل: "اجعلوا للتشكيل مكانا في حياتكم، واعملوا على تحريره من أسر النص الجاهز، وامنحوه ثانية استقلاله وتميزه".
محمد شبعة في مرسمه