في شق من الصياغة التي يعرضها هربارت
ميد (1934) للذات نجد تمييزا صريحا بين "الأنا"، أو ضمير المتكلم المفرد
"تُ"، وهو المظهر الفاعل أو النشيط أو المبادر من الذات (أضرب (أنا)،
أسافر (أنا)، أعتقد (أنا)، أو خرجتُ، شاركتُ، أدليتُ...الخ)، وبين الضمير المعبر
عنه في لغة العرب بياء المتكلم (ي) (استهان بي، أثروا في، لجأ إلي...الخ) أو التي
تكون أحيانا لأسباب صوتية ذكرها النحاة مصحوبة بنون الوقاية (ني) (أخرجوني، يحبني،
تصوَّروا أنني على خطأ، أقنعوني...الخ). وهذا الضمير يشير عموما إلى المظهر
المنفعل أو المتأثر أو المُعاني من الذات. ميد يرى أن هذا الشق من الذات هو الذي يَستضمر
الآخر العام ويستبطنه، ويمثل الصورة الذاتية التي تصل إلى الناس عن أنفسهم من
مجموعة الأفعال وردات الفعل التي يقوم بها الآخرون إزاءهم. (فحين أخرجوني كنت في
نظرهم شخصا غير مرغوب فيه ولا أستحق البقاء معهم، حين أحبني كنت في عينه شخصا ذا
مزية تؤهلني أن أكون محبوبا لديه...الخ).
الذات عند ميد لا تصير موجودة،
إذا شئتم، إلا بوجود هذا الانقسام، أي بوجود هذه اللحظة التي يرى فيها القسم
الفاعل من الذات قسمَها الآخر من زاوية الآخرين. حرف ياء المتكلم يعكس الآخر
المعمم، في حين أن الـ 'أنا' يجيب ويتصدى، أو يبادر وينبري. وهكذا تنهض الذات
وتستوي على إيقاع هذا الحوار أو الجدل بين الشقين، وتكون اختيارات الفرد وتصرفاته
مشروطة إلى حد بعيد بهذا الحوار أو بهذا الجدل بين الضميرين...
قدرة الذات على أن ترى نفسها في صيغة موضوع (أي أن يرى الأنا نفسه من حيث إنه ياء)، هي التي تمكن الذات من أن تصبح ذاتا اجتماعية. فالذات لا تكون ذاتا اجتماعية إلا إذا أمكنها أن تكون قادرة على الوقوف موقف الملاحظ إزاء حياتها الخاصة (أو سيرتها) حتى تسائلها وتقومها، فتشجعها أو تكبحها..
قدرة الذات على أن ترى نفسها في صيغة موضوع (أي أن يرى الأنا نفسه من حيث إنه ياء)، هي التي تمكن الذات من أن تصبح ذاتا اجتماعية. فالذات لا تكون ذاتا اجتماعية إلا إذا أمكنها أن تكون قادرة على الوقوف موقف الملاحظ إزاء حياتها الخاصة (أو سيرتها) حتى تسائلها وتقومها، فتشجعها أو تكبحها..