تعليق:
التطوريون (بينكر، ودينيت) لم ينسبوا إلى الذهن لغة، بل على العكس
أنكروا وجودها (انظر بينكر 1994، ودينيت 1986)، واكتفوا بالقول إن اللغة الطبيعية هي
نفسها لغة الفكر أو الذهن، ولا داعي في نظرهم إلى تكثير الكيانات ومضاعفة
المستويات. ورفضهم القول بوجود لغة للفكر مباينة للغة الطبيعية يتماشى مع تفكيكهم للأنا
في قلب الذهن. بالنسبة إلى فودور الذي يلح على وجود لغة للفكر، مباينة للغة الطبيعية،
يرى أن رموز هذه اللغة لا تدل إلا إذا قدرنا 'أنا' تكون هذه الرموز دالة بالنسبة
إليه. لهذا السبب يجد نفسه مورطا في ما اسماه دينيت بمغالطة المسرح الديكارتي، أي
أن الأمور يقع بناؤها في قلب الذهن في نطاق لغة الفكر، يفكرها هذا الأنا ثم يترجمها
إلى اللغة الطبيعية العمومية التي نتكلم بها. نحن هنا أمام برنامجين في البحث
أحدهما تطوري يعتمد الانتقاء الطبيعي ويعطي العملياتِ الآليةَ العمياء دورا
تفسيريا (لذلك اعتمد دينيت على تفتيت الأقزام إلى الحد الذي تصير فيه مجرد آليات
مثل on/off لا تتطلب أي ذكاء يذكر، درءا
وهروبا من الوقوع في المغالطة القزمية homunculus
fallacy)،
والثاني ديكارتي ينظر إلى الذهن من جهة كونه مجهزا تجهيزا فطريا بكل ما يمكنه من اكتساب
المعارف وبنائها. أحيانا يبدو النقاش بين المدافعين عن البرنامجين كأنه جدل؛ لكن
الأمر ليس كذلك. التطوريون بدورهم يُلْفون أنفسهم مضطرين إلى تقدير 'أنا' أو 'ذات'
أيضا. دينيت (1986، 1991) مثلا يتحدث عن ضرورة تقدير هذا الأنا، ويتعين علينا في
رأيه أن ننظر إلى هذا الأنا كما ينظر الجغرافيون إلى خطوط الطول والعرض، أو الفيزيائيون
إلى مركز الثقل بالنسبة إلى الأجسام الفيزيائية. لذلك نجده يتحدث عن هذا الأنا تحت
اسم: مركز الثقل السردي (Center of narrative
gravity). نحن
في البرنامجين الديكارتي والدارويني (التطوري) أمام خيارين إما أن نقدر الأنا في
قلب الذهن ونقف موقفا باطنيا (Internalist) كما يفعل فودور، وإما أن
نحل المشكل الباطني بالآليات العمياء (بعد تفتيت الأقزام) ولا نلجأ إلى الأنا إلا
لاحقا فنتحدث عنه باسم آخر هو 'مركز الثقل السردي'، كما يفعل دينيت على الخصوص،
فيكون موقفنا موقفا خارجيا (Externalist)..