غالبا ما ننظر إلى التلفزيون بوصفه نافذة مفتوحة على العالم نطل منها، عبر المراسلين والنقل المباشر من عين المكان، على كل ما يقع في العالم من أحداث. هذه النظرة إلى التلفزيون يكرسها الإعلاميون أنفسهم خصوصا في نشرات الأخبار. لا يجلس المذيع الرئيسي للنشرة في الإستديو المركزي بالدوحة أو دبي أو لندن، بل في بيروت، مكان الحدث، تحت القصف؛ ويشرع في بث الأخبار والصور الحية، ويتصل بالمراسلين الموزعين على المواقع الساخنة في البقاع والضاحية الجنوبية وكريات شمونة وحيفا. ويحس المتلقي الملقى على أريكته في بيته أنه هناك في قلب الحدث...
إن هذا الإحساس بالوجود في قلب الحدث لا يعدو أن يكون وهما. إنه نوع من الإيهام بالواقع يلتف به التلفزيون على طبيعته ليبدو على غير ما هو عليه. وهذا لا علاقة له بمهنية الصحافي أو نزاهته. طبيعة التلفزيون هي التي تجعله كذلك. كلمة تلفزيون مكونة من مفردتين غالبا ما لا نلتفت إلى ما تدلان عليه: تيلي تعني بعد، وفيزيون تعني رؤية. التلفزيون هو رؤية عن بعد، في أصل الوجود. فإحساس المشاهد بأنه في قلب الحدث، لا يعدو أن يكون إيهاما (تليفزيونيا) بالوجود في قلب الحدث. الرؤية عن بعد تبقى دائما رؤية انتقائية وناقصة أو مشبعة ومبالغا فيها. والمشكل الأكبر هو أنها رؤية تزداد تحريفا وبعدا عن الواقع بازدياد التقدم التقني الذي يطال وسائل البث وآلياته. فابتلاع الصور إذن، لا يعد مشاركة في الأحداث؛ كما أن الارتعاش من وقع الأحداث وهولها لا يمكن من فهمها وإرداك أبعادها فضلا عن التأثير في مجرياتها. في العالم الذي بات مقلوبا، لم يعد الصدق الذي يدعيه التلفزيون سوى لحظة من لحظات الكذب...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق