11‏/02‏/2008

التذاوت والتشاور والتشارك

التذاوت والتشاور والتشارك






مداخل ترجمتُها من قاموس العلوم الاجتماعية الصادر عن مطابع أكسفورد الجامعية (OUP) سنة 2002. وقد حررها كريغ كالهون، المشرف على القاموس*.






التذاوتية (intersubjectivity)

يشير هذا المفهوم إلى العلاقات التي تقوم بين الناس، من حيث إنها علاقات تختلف عن تلك التي يقيمونها ببواطنهم (الذاتية)، أو بما هو بعيد أو متعال عنهم (الموضوعية، أو الواقع المتعالي). والتذاوتية بصفة عامة نزعة في فلسفة القرن العشرين وعلومه الاجتماعية تُعَوِّل على التواصل بين الناس وعلى فهمهم المشترك أكثر مما تعول على الشعور الفردي ومفاهيم المعرفة الموضوعية. وقد ساعدت أعمال كل من هيردر، وهامبولت، وهيجل، على شق الطريق أمام هذه النزعة. فأعمال هؤلاء الفلاسفة كان مدارها وقطب رحاها نقد فلسفات الذاتية المستقلة، وخصوصا عقلانية ديكارت، ومونادولوجيا ليبنتس (Leibnizian monadology). وقد واصلت الفلسفة المعاصرة، بعد 'الانعطاف اللغوي'، هذه المسيرة وعمقتها في جبهات كثيرة. ومن بين الأعمال الرئيسة في هذا الباب نذكر أعمال فيتجنشتاين، ودراسات تشارلز تايلور عن الذات واللغة والجماعة، وفلسفة هابرماس المبنية على التواصل. وقد ابتعدت اللسانيات هي أيضا عن التركيز على البعد الإحالي للغة وأخذت تركز على بنية اللغة واستعمالها وخصائصها الإنجازية. وبهذا أصبح للمقاربات المبنية على التذاوت أثر كبير في العلوم الاجتماعية، وخصوصا في علم الاجتماع وفي الأنثروبولوجيا. ومن بين أهم المقاربات وأشهرها في هذا السياق نذكر نظرية الفعل (Action theory)، ونظرية التفاعل الرمزي (Symbolic interactionism).

الديمقراطية التشاورية (deliberative democracy)

اتجاه في الفكر السياسي يرى أصحابه أن على الديمقراطية أن تنتظم على نحو تكون فيه قادرة على فتح المجال أمام المواطنين للانخراط في نقاش معقول (reasoned debate). الديمقراطيون التشاوريون، مثلهم مثل الديمقراطيين التشاركيين، لا يرومون توسيع مجال الديمقراطيات الموجودة اليوم فقط ، بل يسعون أيضا إلى الرفع من مستواها من ناحيتين: الأولى لكونهم يرون أن النقاش الموسع والمطلع يقود إلى اتخاذ قرارات أحسن من غيرها وأكثر عقلانية وشمولية؛ والثانية لكونهم يرون أن النقاش الموسع يقوي الاستدلال الأخلاقي عند المواطنين، ويرفع من قدراتهم المعرفية ومن حماستهم العمومية (public spiritedness).وقد اقترح المدافعون عن الديمقراطية التشاورية، مثل جيمس فيشكين، عددا من الإجراءات المُميَّزة من أجل التشجيع على التشاور والرفع من مستواه. فالاستطلاع التشاوري على سبيل المثال يَستبدل بالاستطلاع الشائع الذي يتناول الأراء الجاهزة والمسبقة التي تكون سلفا لدى المواطنين، سلسلةً من الاستطلاعات المتقطعة التي تأخذ بعين الاعتبار المعلومات الجديدة التي يحصل عليها المواطنون والفرص التي تتاح لهم لكي يناقشوها. وتستند الديمقراطية التشاورية إلى تراث زاخر وعريق من البحث في طبيعة المشاركة السياسية وفي الحكم الجمهوري. ويعد يورغين هابرماس أحد أبرز المدافعين المعاصرين عن هذه الآلية التشاورية وأحد أبرز المنتقدين أيضا لبنيات الديمقراطية الجماهيرية (mass democracy) الشائعة اليوم.



(ساحة التشاور)





الديمقراطية التشاركية (participatory democracy)



تركز الديمقراطية التشاركية على مشاركة المواطنين النشيطة في المؤسسات السياسية. وقد اقترن هذا النوع من الديمقراطية تاريخيا بالجمهوريات أو الجماعات الصغرى التي يمكن فيها للمواطنين أن يتشاوروا مع بعضهم البعض وجها لوجه. وتعد الديمقراطية الأثينية المثال الكلاسيكي في هذا الشأن حيث كان أصحاب المناصب يأتون مباشرة من هيئات المواطنين. ويشكل لقاء مدينة نيو إنجلند الشهير مثالا معاصرا في الولايات المتحدة على هذا النوع من الديمقراطية. غير أن هذا الضرب من الديمقراطية غالبا ما ينتقد لكونه غير عملي؛ فهو لا يتلاءم مع الديمقراطيات الحديثة كبيرة الحجم. فالبنيات التمثيلية في هذه الديمقراطيات هي التي حلت محل المشاركة المباشرة وعوضتها على نطاق واسع. صحيح أن الاستفتاءات والصور الأخرى للديمقراطية المباشرة تستجيب لبعض مقاييس المشاركة، لكن هذه الاستفتاءات وهذه الصور غالبا ما تُنتقد لانفصالها عن المظاهر المؤسسية والتشاورية لعمليات اتخاذ القرار. وللتصدي لهذه الانتقادات يلجأ القائلون بالديمقراطية التشاركية إلى الدفاع عن عدم تركيز السلطة، وإلى بعثرتها في المحلات حيث يكون بإمكان المواطن آنئذ أن يشارك في مؤسسات السلطة. بعض هؤلاء المدافعين عن الديمقراطية التشاركية، مثل كارول باتيمان في كتابها المشاركة ونظرية الديمقراطية (1970)، يرى أن هذا النوع من الديمقراطية له مزايا معيارية كثيرة، أهمها أنه يقلص الغربة العمومية إزاء السلطة، ويشجع على اهتمام المواطنين بالمشاكل الجماعية.





*





صورة غلاف القاموس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق