06‏/03‏/2012

هوبز والعقد الملتبس


صورة غلاف الليفياتان. صممها هوبز ورسمها صديقه



هناك ما يشبه الإجماع على أن العلاقة القائمة بين صاحب السيادة والشعب في نظرية العقد التي اقترحها هوبز علاقة غامضة وملتبسة. فهناك من جهة الناس تفويض مطلق لصاحب السيادة بأن يحكم، وهناك من جهة أخرى إشارات صريحة إلى حق الناس في المقاومة والاعتراض. هذا التناقض بين التفويض المطلق والحق في المقاومة والاعتراض يلقي بظلال من الشك على حقيقة موقف هوبز.

فصاحب السيادة لا ينصب عند هوبز إلا بعد تعاقد المواطنين واتفاقهم على النطق بالجملة القوية الآتية: "أفوض حقي في حكم نفسي وأتخلى عنه [لصاحب السيادة] ". وهذه الجملة لا تحتمل تقييدا. إنها تمنح صاحب السيادة في الكومينويلث (
الكومينويلث والدولة والمجتمع المدني مترادفات في اصطلاح هوبز، لم يقع التمييز بين الدولة والمجتمع المدني إلا لاحقا) سلطة تامة على مواطنيه. فالسلطة هنا مطلقة غير محدودة. إنها كما يقول هوبز "أكبر مما يمكن للناس أن يتخيلوه". ويترتب على هذا التفويض أن ما يفعله الكيان السيادي للمحكومين لا يمكن أن "يسمى ظلما أو حيفا". وهذا يعني أن هوبز لا يقيم فرقا بين دولة الاستبداد (أو التسلط) ودولة المشروعية. غير أن هوبز لا يلبث أن يجعل للمحكوم حقا يخول له مقاومة صاحب السيادة وعصيان أمره للحفاظ على حياته. فإذا أمر صاحب السيادة أحدا من الناس أن يقتل نفسه أو يجرحها، أو يتخلى عن مقاومة المعتدين عليه، أو يتوقف عن استعمال الأكل أو الهواء أو التطبيب أو أي شيء آخر لا تكون الحياة إلا به، فإن هذا الشخص يكون في حل من طاعة الأمر وتكون له "الحرية في العصيان (Liberty to disobey)". فهذا الحق في العصيان يضع من دون شك قيدا جوهريا على السلطة غير المحدودة التي فوضها المواطنون وأوكلوها لصاحب السيادة. الغريب في الأمر أن هوبز يخول لصاحب السيادة الحق الكامل في السعي إلى مجابهة كل مقاومة. وهذا يعني أن الحق المحدود الذي يخول للمواطن عصيان الأمر لا ينال من حق صاحب السيادة في أن يجبره على الطاعة. غير أن حق صاحب السيادة في مجابهة العصيان لا تنفي أن العصيان في نظرية العقد عند هوبز سلوك مشروع...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق