02‏/03‏/2012

العنف والقانون



القانون مزج صادم بين العنف والنظام. سن القانون يعد في حد ذاته جريمة. إنه جريمة تُقترَف في حق النظام القديم أو القانون القديم. فالقانون الجديد لا يزيح القديم عن عرشه إلا لكي ينصب نفسه مكانه مدعيا أنه الأولى بالسيادة. حتى دولة القانون نفسها تخفي نوعا من اللاقانونية الملازمة لا تنفك عنها. ما تخفيه أو تحجبه هو العنف الذي تؤسس به نفسها كدولة قانون في المقام الأول. لهذا السبب لا نستطيع أن نتصور قيام نسق قانوني أو قيام نظام بعينه من دون جرم مؤسس. بيد أن القانون لكي يستوي ويشرع في الاشتغال لا يلبث أن يفرض على الخاضعين له غض الطرف عن العنف الذي رافق تأسيسه. غض الطرف عن العنف هنا لا يعني شيئا آخر غير التعامل مع القانون كما هو موجود هنا والآن والإعراض عن التفكير في المسير الذي قطعه حتى استوى وأصبح موجودا. إن هذا الإعراض هو الذي يقلب العنف قلبا ويجعله قانونا. يقول جيجيك (1991: 204): "عند ابتداء كل قانون يوجد ضرب من 'الخروج عن القانون'، أي يوجد نوع من العنف الواقعي يصادف فعل إحلال حكم القانون ذاته. فالحقيقة القصوى التي تستفاد من حكم القانون هي حقيقة الانتهاك. وقد انبنى الفكر السياسي الفلسفي الكلاسيكي كله على الالتفاف على هذا الفعل العنيف المحايث للتأسيس وإنكاره.... وهذا العنف غير المشروع الذي يسند به القانون نفسه ينبغي ـ لعمري ـ أن يُحجب بأي ثمن، لأنه في هذا الحجب يوجد الشرط الإيجابي الذي يمكن القانون من أداء دوره. فهو (أي القانون) يؤدي دوره كلما كان المكلفون الخاضعون له مخدوعين، أي كلما اختبروا سلطة القانون في أنفسهم من حيث إنها سلطة أصيلة وخالدة".

S. Zizek (1991) For They Know Not What They Do. London: Verso.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق