29‏/07‏/2012

عن القصد والفهم والمعنى عند فتجنشتاين


عن القصد والفهم والمعنى
ل. فتجنشتاين

(إلى الأستاذ علي عبود المحمداوي (العراق) الذي سألني في الرابطة العربية الأكاديمية للفلسفة تعليقا على نص فتجنشتاين السابق: 'أنقصد فنفهم فنحصل على المعنى؟'.. هناك شيء من هذا التدرج بالفعل، وهناك أشياء أخرى يطول الحديث عنها بالتفصيل، لكن قد تتضح بعض معالم تصور فتجنشتاين الملغزة من خلال النص الموسع الذي سأدرجه مهدى إليك هنا..تحياتي)

يقول فتجنشتاين:
 
"عندما أقول مثلا: " أقصد أو أنوي أن ألعب الشطرنج"، أكون هنا بإزاء وصف حالتي الذهنية. لكن لماذا نسمي هذه الحالة الذهنية 'القصد إلى لعب الشطرنج'؟ نسميها كذلك على الرغم من علمنا بأن لعب الشطرنج هو النشاط المخصوص الذي نعرفه جميعا. يمكن للمرء أن يقول هنا " 'إن القصد إلى لعب الشطرنج' هو حالة ذهنية يقع تجريبها عموما قبل الشروع في لعب الشطرنج". لكن هذا أمر لا يستقيم. هل يمكن أن يعن لك إحساس خاص فتقول "هذا هو الإحساس الغريب الذي يعتريني قبل لعب الشطرنج، أستغرب إذا ما كنت سألعبه" ؟ هذا الإحساس الغريب الذي يعتريك قبل لعب الشطرنج لن يسمى أبد "القصد إلى لعب الشطرنج".
نتساءل الآن: كيف يصل المرء إلى تعلم معنى العبارة: ''أقصد أن ألعب الشطرنج"؟ يمكن أن نقول إنها الضرب من العبارة الذي يستعمله الناس عندما يكونون جالسين أمام لوحة الشطرنج. غير أنهم بالطبع يقولون العبارة أيضا عندما لا يكونون جالسين أمام لوحة الشطرنج. غير أن قول العبارة عموما يكون مع بعض الأفعال ولا يكون مع بعض الأفعال الأخرى (تصور أنني أقول "أنوي الآن أن ألعب الشطرنج" ثم أخلع ملابسي بعد ذلك عوض أن ألعب الشطرنج). وغالبا ما يكون ذلك مصحوبا ببعض الصور التي تجول بالخاطر، بل يمكن للمرء أن تعن له أي صورة من الصور حين ينوي أن يلعب الشطرنج.
هناك أحوال نلفي فيها أنفسنا مضطرين إلى أن نقول: "قصدتُ أن ألعب الشطرنج حين قلتُ ذلك، لكنني دقيقة بعد ذلك لم ألعب" وذلك مثلا حين خرجت من المنزل مباشرة بعد قول ذلك. إذا سألني أحد ماذا عنيت بما قلت، سيكون الجواب أن ما قلته يدخل في باب الاستثناء. قد يظنون أنني غريب الأطوار، هذا كل ما في الأمر. يمكن أن يكون الأمر أنني فكرت فجأة في شيء آخر يجب علي أن أقوم به. لكن إذا كان هذا الوضع هو القاعدة وليس الاستثناء، أي إذا كان هناك فصيل من البشر يخرج من غرفته كلما قال "أقصد أن ألعب الشطرنج"، هل سنقول إن هؤلاء الناس يستعملون العبارة على النحو الذي نستعمله نحن؟ يمكن للمرء أن يستبد به الإلغاز هنا وتأسره الحيرة. يمكنه أن يقول "إذا أمكن أن يقع هذا في حالة واحدة، لماذا يمتنع عليه أن يقع في الحالات كلها؟". فالكلمة في نهاية المطاف لها استعمال، لها تقنية في الاستعمال. فإذا اعتدت استعمالها على نحو من الأنحاء وفي النادر الأقل على نحو آخر، فإن بإمكاننا أن نقول حينئذ إن الاستعمال النادر هو الاستثناء، لكننا لا نستطيع أن نقول ذلك إذا كنت أستعملها دائما على هذا النحو النادر.
لقد تناولت بالدرس كلمة 'القصد' لأنها تلقي الضوء على كلمتي 'فهم' و'معنى'. فنحو الكلمات الثلاث متقارب جدا؛ لأنه في الحالات الثلاث يبدو أن هذه الكلمات تنطبق على ما يقع في وقت وعلى ما يقع في وقت آخر يليه في المستقبل".
Ludwig Wittgenstein (1976) Wittgenstein's Lectures on the foundations of mathematics, Cambridge 1939. Edited by Cora Diamond. The Harvester Press. (Lecture II, p. 24-25).
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق