25‏/03‏/2014

الفكر والعقل والمعنى والحقيقة



تميز حنا آرندت بين المعنى والحقيقة، وبين الفكر والعقل (intellect). العقل في ملاحقته للحقيقة هو الذي يكون محكوما بالمنطق وببداهة الحواس (أي بكينونة العالم الفيزيائي وضرائره)؛ أما الفكر الذي يلاحق المعنى ولا ينشغل بالحقيقة فيستطيع أن يتحرر من موضوعات الحس ومقتضياته وينصرف إلى ملاحقة موضوعات لم يسبق لها أن وجدت في العالم. قدرة الفكر على التحرر من الحس (desensing capacity) هي التي تجعل الأنشطة الذهنية (أي التفكير والإرادة والحكم) أنشطة مستقلة بذاتها وغير مشروطة.
ترى أرندت أن كانط وتابعيه من هيجل إلى هايدغر فشلوا في إقامة هذا التمييز فعادوا من جديد إلى الميتافيزيقا، عادوا إلى القول بوجود كينونة من مستوى عال، أي بوجود حقيقة بمجرد ما تنكشف يصبح الذهن مقيدا بها منقادا لها. لهذا السبب ترى آرندت أن العقل العملي الكانطي لم يكن أمامه من بديل آخر غير معانقة الحقيقة التي يراها، ولم يكن أمام المفكر الأصيل عند هايدغر من بديل أيضا غير أن ينفتح على الكينونة وينطلق على رسله صادحا بحقيقتها. عندما يطابق هايدغر بين 'معنى الكينونة' و'حقيقة الكينونة'، تسارع حنا آرندت إلى اتهامه بارتكاب مغالطة ميتافيزيقية تتمثل في تأويل المعنى استنادا إلى نموذج الحقيقة. التفكير عند آرندت يلاحق المعنى وليس الحقيقة. فهو من هذه الزاوية ملاحقة لا تستدعي نتيجة تنتهي معها الملاحقة.



Suzanne Jacobitti Hannah Arendt and the Will” in Political Theory, Vol. 16, No. 1 (Feb., 1988), pp. 53-76, p. 68-69. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق