06‏/02‏/2015

الواجب والأسى.. أو الفيلسوف والفتاة





ماريا فون هربارت فتاة في مقتبل العمر (22 سنة)، راسلت الفيلسوف كانط وكانت شغوفة جدا إلى حد الهوس بفلسفته. أحست يوما بأن حياتها أصبحت خالية من أي رغبة بعد أن فقدت حبيبها الذي عشقته. وكان السبب الذي جعلها تفقده هو أنها ألفت نفسها ملزمة من الناحية الأخلاقية بأن تعترف له بأنها سبق لها أن كذبت عليه بخصوص أمر جلل، انسجاما مع الأمر المقولي (الأخلاقي) الذي يفرض عليها ذلك. غير أن اعترافها هذا لم يجلب لها راحة الضمير الموعودة بل جلب لها الكآبة والأسى لفقدان حبيبها وقادها في نهاية المطاف إلى الانتحار.. الأمر المقولي يفعل فعله ويكون ناجعا عندما يُستعمل فاحصا عما إذا كان من المباح لنا أن نسلك وفق ميل من ميولنا. لكننا عندما نفقد كل ميل في الحياة لا يعود أمام الأمر المقولي مجال يمكن أن يفحص عنه.

كتبت ماريا إلى كانط تقول له:
".. ضع نفسك مكاني، ثم أنِّبني إن شئت أو باركني. لقد قرأت كتابك ميتافيزيقا الأخلاق، ووقفت مليا عند الأمر المقولي، لكن ذلك لم ينفعني قيد أنملة. لقد تخلى عني عقلي في الوقت الذي أحسست بأني في حاجة ماسة إليه. أجبني، أرجوك، أم أنك لن تسلك وفق ما يقضي به أمرك". (غشت 1791).

استشار كانط أحد أصدقائه الخلص، فنصحه أن يجيبها، ثم كتب إليها رسالة طويلة (استراتيجية وليست إنسانية كما قالت لانغتون (
R. Langton) !) قد نعود إلى بعض ما فيها في قت لاحق.

Kant, I. Correspondence (The Cambridge Edition of the Works of Immanuel Kant). Translated & edited by A. Zweig. CUP. 1999.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق