17‏/02‏/2019

حقوق الإنسان: بين الفردية والجماعية..



"إن ذوي حقوق الإنسان وأصحابَها هم الأفراد وليس الذوات الجماعية كـ 'الوطن' أو 'الدولة' ".


Ulrich Beck. “The cosmopolitan perspective: sociology of the second age of modernity”. in British Journal of Sociology. Vol. No. 51 Issue No. 1 (January/March 2000); pp. 79 –105, p. 83


تعقيب :

أريد فقط أن أدرج إشارة أولريش بك حول اقتران الحقوق بالأفراد وليس بالجماعات (الدولة والوطن) في سياقها. إنها وردت في سياق رصده لما يسميه الانتقال من الحداثة الأولى إلى الحداثة الثانية. في الحداثة الأولى كان السبق للدولة الوطنية، وبالتالي للقانون الدولي الذي يضبط العلاقات بين الدول الوطنية، على حقوق الإنسان. هذا السبق يعني سبق الجماعة والتراب والحدود على الأفراد. القانون الدولي هو الذي يضبط العلاقات بين الدول بوصفها علاقات بين ذوات جمعية وليست علاقات بين أفراد. عندما ننتقل إلى الإطار الذي تسبق فيه حقوق الإنسان القانون الدولي نكون في نظر بك قد انتقلنا إلى أنموذج آخر هو الأنموذج الكوسموبوليتي الذي يُسنده إلى الحداثة الثانية أو العصر الحداثي الثاني. مقولات العصر الحداثي الأول المتمثلة في الجماعة والتراب والحدود ستُعوَّض بنسق إحداثي جديد فيه اقتران مباشر بين الفردية والعالمية، وفي هذا الإطار الذي يحدده الاقتران المباشر المذكور تجري إعادة تعريف مفاهيم الدولة والقانون والسياسة والأفراد. نكون هنا أمام أفراد ذوي حقوق وأمام مبادئ (كسموبوليتية) عامة تتصل بالديمقراطية وحقوق الإنسان. المشكل هو أن الأنموذج الكوسموبوليتي جلب معه استراتيجيات جديدة في استعمال السلطة مبنية على الانقسام القائم بين دول ديمقراطية متقدمة وقوية، وأخرى غير ديمقراطية ومتخلفة. من الناحية المبدئية الكل مقر بأننا لم نعد في العصر الحداثي الأول. الدول غير الديمقراطية تسارع مضطرة إلى إجراء انتخابات حتى لو لم تكن نزيهة، وإلى بناء مؤسسات تمثيلية حتى وإن كانت شكلية، ولا تتوقف عن الإعلان بمناسبة وبغير مناسبة عن أنها تحترم حقوق الإنسان. إنها لم تكن مضطرة إلى هذا في عصر الحداثة الأول لأن السبق كان للجماعة والتراب والحدود (أو لمفهوم السيادة المقرون بسلام ويستفاليا (1648)، ولم يكن السبق لحقوق الإنسان. في الأنموذج الكوسموبوليتي الذي يتحدث عنه بك (ويتحدث عنه طبعا هابرماس ورولز وغيرهما مع اختلافات طفيفة أحيانا وعميقة أحيانا أخرى !) ليس هناك وسيط بين الفرد والعالم، لا يمكن للأنظمة التسلطية أن تتذرع اليوم بتشبثها بسيادتها على ترابها في نطاق حدودها وتضرب عرض الحائط بحقوق أفرادها. تستطيع أن تخرق هذه الحقوق وتنتهكها، لكنها ستفعل ذلك بكلفة عالية وبخسائر متفاوتة حسب الدول. مسألة حقوق الجماعات، وهي حقوق تبقى في نظري ضاربة في الالتباس وحمالة أوجه، التي يروج لها في إطار ما يسمى بالتعددية الثقافية هي القشة التي ما زالت تتذرع بها الأنظمة التسلطية لمواصلة خرقها لحقوق الأفراد (أغلب الدول الاستبدادية تشجع على رفع المطالب الحقوقية الجماعية لا لكي تلبيها بل لكي تستعملها سندا في مواجهة الإكراهات الكوسموبوليتية !).. الإشكال المطروح هو كيف بالإمكان الحديث عن حقوق جماعية لا تجهز على حقوق الأفراد ولا تكون ذريعة للإبقاء على الاستبداد والاسترسال في التسلط ..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق