25‏/06‏/2006

الإفراط في التاريخ

الإفراط في التاريخ

ألقي هذا النص ضمن فقرة "فسحة رأي" بالإذاعة الوطنية المغربية.

إننا نحيا وضعا فيه إفراط في التاريخ على العكس تماما مما ذهب إليه بعض الباحثين الأمريكان الذين قالوا بنهاية التاريخ. لا نقصد بالإفراط في التاريخ هنا ما يقع في العالم من أحداث تاريخية فقط، بل نقصد بذلك أنه في قلب هذه الأحداث التاريخية التي تحدث أصبحت القدرة الإنسانية على فعل التاريخ بدورها موضوعا تاريخيا. ومعنى هذا أن تاريخيتنا، أي قدرتنا على فعل التاريخ، أصبحت هي أيضا موضوع ممارسة. فنحن كما لا يخفى لا نصنع التاريخ ولا نملكه إلا لكوننا نملك لغة ونملك قدرة على الفعل. وهاتان الملكتان، أي ملكة الفعل وملكة اللغو، اللتان تمثلان شرطي التاريخ، أصبحتا المادة الخام التي ينهض عليها الاقتصاد المعولم. فالعامل في هذا الاقتصاد ينبغي أن يكون مرنا فيما يتصل بملكته على العمل، وينبغي أن يكون دربا على التواصل فيما يتصل بملكته على اللغو. فعوض الحديث عن نهاية التاريخ ينبغي أن نتحدث عن الإفراط في التاريخ. بالطبع، إننا لا نملك أخلاقا وسياسة ملائمتين لهذا الإفراط في التاريخ. وهذا هو ما يجعلنا في وضع نحس فيه كأننا وصلنا إلى نهاية التاريخ. هناك ارتياب شديد في الصور السياسية القائمة في العالم؛ كما أن هناك أزمةً خانقة يحياها مفهوم الدولة الوطنية. لم يلح في الأفق بديل بعد إلى حد الآن. فالإفراط في التاريخ الذي نحياه يتعارض مع عاداتنا وأخلاقنا ومقولاتنا المحافظةالتي درجنا على الاتكال عليها في الاجتماع وفي السياسة وفي التفكير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق