05‏/06‏/2012

الجسم السياسي و بيولوجيا العَقد






ربما كانت هذه الصورة من أشهر الصور في الفلسفة السياسية الحديثة. لقد صممها الفيلسوف طوماس هوبز وطلب من صديقه الفنان الفرنسي أبراهام بوص (Abraham Boss) أن يرسمها لكي يضعها على غلاف كتابه الأشهر ذي العنوان المثير 'التنين' (Leviathan) المنشور سنة 1651. تشير الصورة إلى الدولة في صورة ملك عملاق يراقب قطعة من الأرض، ويهيمن على رعاياه ويحتويهم في الآن نفسه. تعرض الصورة الجسم السياسي مستويا بلحمه وشحمه، وحدته وتعدده... نرى شخصية عملاقة متوجة، تمسك بيمينها سيفا (رمز السلطة الدنيوية) وبشمالها صولجانا (رمز السلطة الكنسية الدينية )، شخصية يتكون جسمها من جموع من الأقزام المتزاحمة، تشير إلى الكيفية التي يجري بها تمثيل الشعب عبر القائد الذي تعاقد معه. سلطة القائد مستمدة من اتفاق الشعب الجماعي معه. وقد قال هوبز في مقدمة الكتاب: "ذلكم [هو] التنين الأكبر" أي الكومينويلث أو الدولة العظيمة التي وقعت مماثلة أجزائها الحاكمة ووظائفها بالأجسام الفردية مماثلة الأكبر للأصغر (هوبز 1996: 9). لفظ 'التنين' استقاه هوبز من الكتاب المقدس، وتحديدا من كتاب النبي أيوب الذي وُصف فيه التنين بأنه 'لا سلطة في الأرض قاطبة تضاهي سلطته' (Non est potestas Super Terram quae Comparetur ei). وتشير المماثلة التي أقامها هوبز بين الجسم السياسي والجسم البشري إلى نزعته الطبيعية (naturalism) وإلى ميله المادي الصريح. غير أن هذه النزعة وهذا الميل لم يمنعاه من الإشارة إلى أن الجسم السياسي يبقى في نهاية المطاف جسما اصطناعيا. بيولوجيا هذا الجسم بيولوجيا من صنع الناس وليست عمليات عضوية مستقلة عنهم. إنها بيولوجيا العَقد..  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق