يورغين هابرماس |
"... السبب الفلسفي الآخر الذي يحثنا على اختيار
المقاربة النظرية المبنية على الخطاب يتصل بحل المفارقة التي ولّدها نمطُ الشرعية
الذي سماه ماكس فيبر بـ 'حكم القانون' [أي الشرعية القانونية]: فكيف أمكن للشرعية
أن تنبثق من مجرد القانون؟ ما الذي يضفي الشرعية على نسق قانوني وضعي خالص إذا كان
كلُّ ما يعد قانونا إنما يجري إنتاجُه استنادا إلى مساطر مُرمَّزة في إطار وضعي؟
الجواب الذي تعرضه النزعة القانونية الوضعية عن هذا الأمر هو الرجوع إلى قاعدة
أساسية عرفية أو اعتباطية واتخاذُها أساسا يقوم عليه النسق القانوني؛ أما جواب
القانون الطبيعي فيَستند، على عكس الجواب الوضعي، إلى امتيازِ إمكانِ التوصل إلى
معرفة القوانين الصالحة من غير الصالحة إما لكونها ترسو على أساس كوسمولوجي وإما
لأنها تستند إلى أساس ثيولوجي. التفسير الإرادوي [ أي النزعة الوضعية] لا يلتفت
إلى المحتوى المعرفي الذي يقوم عليه الاعتقاد في الشرعية، أما التفسير الطبيعي
لأساس القانون فيتأسس على الرؤى الميتافيزيقية إلى العالم التي لا يمكن أن تكون مُقْنعة
لكل الناس في مجتمعات تمتاز بالتعددية. في مقابل المقاربتين [الوضعية والطبيعية]
تعمد نظرية الخطاب إلى رد قوة الشرعية إلى العمليات الديمقراطية نفسها التي يجري
في إطارها تشكيل الرأي وتكوين الإرادة.... فالمصدر المعياري الذي تنساب منه
الشرعية في هذا التصور الذي تعرضه نظرية الخطاب هو التأليف بين إدماج كل أولئك
المعنيين بالنسق القانوني والمتأثرين به والطابع التشاوري الذي يوجه بناء آرائهم
وتكوين إرادتهم".
Jurgen Habermas.
The Lure of Technocracy. Polity Press, 2015, p. 47-48