تقع موسوعة الفقر في العالم، الصادرة سنة 2006 عن دار ساج للنشر Sage Publications بالولايات المتحدة في 1412 صفحة، بالإضافة إلى 31 صفحة (xxxi-i) تضمنت مقدمة، وكرونولوجيا، وفهرسا، ولائحة بأسماء المساهمين، وجدولا لمداخل الموسوعة من الألف إلى الياء، دون احتساب ما يقرب من ثلاثين صفحة أخرى تضمنت ذيلين في خاتمة الموسوعة.
وتتوزع الموسوعة على ثلاثة مجلدات: الأول يحوي المداخل التي تبتدئ بالحرفين (G-A)، والثاني المداخل التي تبتدئ بـ (R-H)، والثالث المداخل التي تبتدئ بـ (Z-S). وقد أشرف على تحريرها وتنسيق أعمالها العالم التركي المرموق محمد أوديكون Mehmet Odekon. وهو باحث يعمل بشعبة الاقتصاد في كلية سكيدمور بنيويورك منذ سنة 1982. وقد وفد على هذه الكلية من فرنسا، وتحديدا من فونطينبلو، حيث كان يعمل باحثا مشاركا في المركز الأوروبي لإدارة الأعمال. ومن بين أعماله التي صدرت في السنوات القليلة الماضية كتابه الهام: كلفة تحرير الاقتصاد التركي الصادر سنة 2005 عن مطابع جامعة Lehigh.
تضم موسوعة الفقر في العالم ما يقرب من 800 مقالة، لم يسبق لها أن نشرت من قبل. وقد حرر هذه المقالات ما يربو على 100 باحث، منهم المستقلون، ومنهم العاملون المرتبطون بمؤسسات. وتضمنت هذه المقالات مقالات عن 191 بلدا، تناولت إحصائيات الفقر فيها، وتوزيعه، وخصائصه، ومعدلات الوفيات، وأنواع الأمراض، ومعدلات الأمية. كما تضمنت هذه المقالات أيضا معلومات عن الخصائص الجغرافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لكل بلد من هذه البلدان. ولم تغفل الموسوعة تحديد الرتبة الراهنة التي يحتلها كل بلد في مؤشر التنمية الإنسانية وفي مؤشر الفقر الإنساني (Human Poverty Index). (رتبة المغرب، حسب الموسوعة، في مؤشر التنمية الإنسانية هي 124، أما رتبته في مؤشر الفقر الإنساني فهي 61) (ص: 731).
وبخصوص مؤشر الفقر الإنساني، ميزت الموسوعة بين مقاييس ترتيب الدول النامية، ومقاييس ترتيب الدول الصناعية المتقدمة. فالمؤشر بالنسبة إلى الدول النامية ينظر إلى الفقر من زاوية ارتباطه بمعدل عمر الأفراد، والتربية، والتغذية، وتوافر الموارد المائية والخِدْمات الصحية. أما بالنسبة إلى الدول الصناعية فقد عمدت الموسوعة إلى مقياس طول مدة بقاء الفرد عاطلا عن العمل، وأقصت مقياس توافر الماء والخدمات الصحية من المؤشر بالنسبة إلى هذه البلدان المتطورة.
يقول أوديكون في مقدمة الموسوعة: "الغرض من الموسوعة هو أن تستعمل مصدرا نافذا ودقيقا لمشكلة الفقر والقضايا ذات الصلة بها. فهي تقدم للقارئ كما هائلا من المعلومات الراهنة والطرية، وتزوده بالإضاءات التي تمكنه من فهم النقاش الراهن الدائر حول مشكلة الفقر... إنها مشروع يتناول راهن الفقر في العالم. فلا ننسى أن سنة 2005 تميزت بالإعلان المتصل بالفقر الذي أصدره قادة العالم في قمة الدول الثماني الأكثر تصنيعا وفي المنتدى الاقتصادي العالمي" (vii).
يشير أوديكون إلى أنه من الصعب على المرء الذي لا يملك تجربة شخصية مع الفقر أن يعرف حقيقة الفقر والشروط القاسية التي يعيش فيها الفقراء معرفة دقيقة. ويستعرض في مقدمة الموسوعة تجربته الشخصية مع الفقر ذات صيف حين كان طالبا في الستينات وتطوع، هو وعدد من زملائه، لمساعدة أهالي قرية فقيرة في الأناضول الأوسط بتركيا على بناء نظام للصرف الصحي وترميم مدرسة آيلة إلى السقوط. الفقر بالنسبة إلى من لم يعشه أو يحتك بمن يعانونه لا يعدو أن يكون نسبة في حساب الإحصاء. "والحقيقة، كما يقول أوديكون، أن الفقر يمكن أن يكون أي شيء ما عدا نسبة في حساب الإحصاء. فمظاهر الفقر وأوجهه لا تقبل التكميم كلها" (vii).
إن أوديكون لا ينفي، بالطبع، أهمية الإحصاء في حساب الفقر، ما ينفيه هو اختزال الفقر بمظاهره وأوجهه المتباينة التي لا تقبل الحساب الكمي، إلى مجرد نسب باردة في جداول الإحصاء. ثم إن الموسوعة لا تتناول الفقر من زاوية التركيز على الدخل والاكتفاء به. الفقر كما تتصوره الموسوعة أوسع بكثير من مجرد انعدام الدخل أو تواضعه. تصور الفقر في الموسوعة مشتق من الفهم الذي طوره الاقتصادي والفيلسوف أمارتيا صن، أي ذلك التصور الذي لا يرى في انعدام الدخل أو تواضعه سوى عامل من عوامل الفقر، على أهميته.
يقول أوديكون معرفا الفقر: "الفقر هو الحرمان من القدرات والحقوق والحريات الأساسية التي تسمح للأفراد بالقيام بالاختيارات الضرورية وتمكنهم من استغلال الفرص التي يحتاجون إليها لكي يحيوا الحياة التي يرغبون فيها. حقا، إن الدخل يعد ركيزة أساسية تقوم عليها الحياة، لكن الدخل بمفرده ليس كافيا. فإذا لم يكن موصولا بالحريات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية فإنه لا يكفي لكي يكون حافزا لإذكاء القدرات الفردية. بهذا المعنى لا يكون الدخل غاية في حد ذاته، بل وسيلة لكي يتمكن الفرد من الحياة حياة محصنة من الأمراض، ولكي يحصل على رصيده من التربية، ولكي يشارك مشاركة فعالة في الحياة السياسية والثقافية والاقتصادية حيث يعيش" (viii-vii).
تتضمن الموسوعة كرونولوجيا للفقر، استغرقت 8 صفحات (xxvi-xix)، حررها كيفين جولسن Kevin Golson، تبدأ من القرن العاشر قبل الميلاد، وتنتهي عند سنة 2005 بعد الميلاد. فكلمة "فقر"، كما ورد في الكرونولوجيا، استعملت أول مرة في القرن العاشر قبل الميلاد في العالم اليهودي القديم؛ وكانت تحيل على ملاك الأراضي الذين كانوا يجبرون أهل القرى من الفلاحين على بيع أراضيهم عنوة. وتتوقف الكرونولوجيا عند سنة 2005 التي أعلنت فيها الأمم المتحدة أن بروندي، البلد الذي يوجد في وسط إفريقيا، يعد رسميا البلد الأكثر فقرا في العالم، وهو بلد 68 في المائة من سكانه أو يزيد، يصنفون تحت خط الفقر.
إن الموسوعة جديرة بأن تقتنيها مراكز البحث، ومؤسسات التعليم، والجمعيات المختصة؛ لأنها تتضمن طيها جل المفاهيم والأطر والنظريات ذات الصلة بمشكلة الفقر. ومقالاتها لا تميل عموما إلى التعقيد أو اعتماد الترميز الرياضي إلا نادرا وعند الحاجة. هناك تفاوت بين المقالات أحيانا، وهناك أيضا بعض المعلومات الخاطئة التي ننتظر أن تصحح في الطبعات اللاحقة. ونخص بالذكر هاهنا المقال المخصص للمغرب (ج 2،ص: 731- 732). فكاتب هذا المقال، جيرالد بيتزل G.Pitzl، وقع ضحية ما راج في المغرب عن اكتشاف البترول، وضم المغرب إلى لائحة الدول المصدرة للمنتجات النفطية، قبل أن يتبين أن ما راج عن النفط في المغرب لم يكن صحيحا. يقول بيتزل، على سبيل المثال: "تتضمن صادرات المغرب الملابس، والأسماك، وعددا من المعادن، والفواكه، والخضروات، والمنتجات البترولية petroleum products. احتياطي النفط في المغرب يقدر بـ 300 مليون برميل، أما احتياطي الغاز فيعادل 665 مليون متر مكعب (حسب تقديرات سنة 2004)" (ص:731). لا أظن أن هذه المعلومات صحيحة. ربما وقع الكاتب ضحية هوس راهنية المعلومات. أو ربما التبس عليه الأمر. لكن مثل هذه الأخطاء والهنات توجد في جل الموسوعات، وغالبا ما يقع تجاوزها وتصحيحها في الطبعات اللاحقة. وهي أخطاء، على الرغم من أنها مشينة، لا تحط في شيء من قيمة الموسوعة ومن الجهود التي قام بها محرروها والمشرف عليها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق