ينطلق هذا الكتاب من أن
التاريخ عموما أنتج في تعاقب مراحله وتوالي أحداثه ثلاثة أنماط من الديمقراطية:
الديمقراطية الأثينية، والديمقراطية الليبرالية التمثيلية، والديمقراطية
الاشتراكية. أغلب مُنظري الديمقراطية الليبرالية يلاقون حرجا في قبول هذه الخلاصة،
خصوصا القبول بالحديث عن وجود ديمقراطية اشتراكية، لأنهم يعتقدون أن الديمقراطية
الليبرالية التمثيلية تعد الصورة الديمقراطية الوحيدة والحقيقية، وغالبا ما يربطون
اعتقادهم هذا بالفكرة المتنازع عليها أيضا التي لا ترى أن هناك فرقا دالا من
الناحيتين الفكرية والسياسية بين الماركسية الكلاسيكية والنزعة الستالينية. كاتب
الكتاب يقر بأن هناك فرقا بينهما، ويقدم جردا تاريخيا يكشف فيه عن جذور وتجليات تَكوُّن
هذه الأنماط الثلاثة من الديمقراطية ليخلص في النهاية إلى أن الصيغ الديمقراطية
المتصارعة اليوم تعود في جذورها التاريخية إلى هذه الأنماط الثلاثة.
لا نستطيع في نظر الكاتب أن
نتساءل ونجيب عن إمكان قيام عالم أكثر ديمقراطية من الذي نعيش فيه إلا بالانكباب
على دراسة تاريخ الديمقراطية. وفي سياق تحليله المفصل لهذا التاريخ يتناول الباحث
بإسهاب القُوى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي لعبت في الماضي دورا رئيسا
في ظهور وتطور هذه الأنماط من الديمقراطية؛ كما يكشف في تحليله المفصل أيضا الطابع
المتغير والانتقالي الذي عرفته الصور الديمقراطية المتباينة خلال التاريخ.
فالديمقراطية الأثينية، والجمهورية الرومانية، والتجربة الثورية الأولى التي
عرفتها الديمقراطية الجمهورية في فرنسا، وكذا المحاولة التي لم يكتب لها النجاح في
إنشاء ديمقراطية تشاركية في روسيا، هي محاولات انتهت كلها إلى انهيار تراجيدي. بل
إن الديمقراطية الليبرالية نفسها التي انتشرت في الدول الرأسمالية المتقدمة تظل،
إذا نحن نظرنا إليها في هذا السياق التاريخي الإنساني الموسع وفي أعقاب حربين
عالميتين مدمرتين، هي ذاتها ديمقراطية غير مستقرة وبالغة الهشاشة.
غرض الباحث من هذا الكتاب ينصب
على استثمار تاريخ الديمقراطية لتشخيص البدائل الديمقراطية الممكنة وإيضاحها
لمواجهة عالم تحكمه الرأسمالية النيوليبرالية وتسيطر عليه الولايات المتحدة
الأمريكية. فهو يرى أن الديمقراطية الاشتراكية التي تقوم على التشارك (Socialist participatory democracy)
تعد البديل، المرغوب فيه والعملي والممكن من الناحية الواقعية، عن الرأسمالية وعن
الديمقراطية التمثيلية. فالديمقراطية الاشتراكية تأخذ مزايا الديمقراطيتين
الأثينية والتمثيلة وتُجاوزهما من ناحية تسهيل مشاركة المواطنين المباشرة في حكم
المجتمع.
Brian S. Roper. The
History of Democracy: A Marxist Interpretation. 2013. Pluto
Press. 328 pp.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق