20‏/01‏/2007

النسبية


برينو لاتور


يقول لاتور في مقال حواري بين 'هي' و 'هو':


هي:

لقد سمعتُ أن الشيء الهام هو أن نتجنب النسبية. بيد أنني عالمة فيزياء، وتجنب النسبية أو إنكارها أمر يحرجني؛ لأنه أمر بالغ الصعوبة. فمن دون النسبية سنسجن أنفسنا في زاوية نظر واحدة، ولن يكون ثمة إمكان لإجراء قياسات. ففي المبحث الذي أشتغل عليه، نحتاج إلى نسبية الأطر المرجعية حتى نشرع في البحث. وأنا على وجه الخصوص أحتاج إلى النسبية؛ لأنني أعمل على أحداث جرت بُعيد لحظة الانفجار الأكبر بقليل. ألا تحتاج أنت إلى النسبية أيضا؟

هو:

... بلى، أحتاج إليها. لكنني أعتقد أن النسبية هي إحدى ضحايا حروب العلم. إنها لاجئة. بالنسبة إليكِ الكلمة تعني نسبية؛ لكنها في الإنسانيات وفي الأخلاق، تعد سِبابا؛ لأنها تستلزم أنكِ تعتقدين أن كل زوايا النظر صالحة، وأن كل الثقافات متساوية، وأن الصدق والكذب صنوان، وأن لرامبرانت وغرافيتي القيمة نفسها، وأننا لا نستطيع التمييز بين الخَلقيين والتطوريين، لأن كل المواقف صحيحة، وكل شيء في الوجود يجوز".

هي:

بربك قل لي: أتعتقد أنت أيضا كل هذا..؟! لقد أذهلتني بجوابك حقا. زملائي في المختبر على حق إذن حين أوصوني قائلين: "التزمي الحيطة...لا تثقي أبدا بعالم اجتماع..."

هو:

بالطبع، أنا لا أعتقد ذلك. قلت لكِ إنها سباب وليست مفهوما. النسبي هو دائما ذلك الفتى الآخر أو المغاير، الفتى المتهم بعدم احترام الأصول، وعدم التمييز بين العالِم المجنون والعالِم السوي، بين الكاردينال وغاليليو، بين منكر المحرقة والمؤرخ الحقيقي.

Bruno Latour (2002) « The Science Wars » in Common Knowledge. Vol. 8, No. 1, pp. 71- 79. pp.71-72.

18‏/01‏/2007

رورتي والخروج من اللغة


رتشارد رورتي

يذهب رورتي* في معرض رصده للتصور الذي طوره ديفدسن عن اللغة إلى أن هذا الأخير لا يرى في اللغة مستوى ثالثا قائما بين الذات والموضوع، كما لا يرى فيها وسيلة أو وسيطا نعتمده في بناء تمثيلات أو صور عن الواقع. اللغة حسب ديفدسن، كما يذهب إلى ذلك رورتي، مكون من مكونات سلوك الكائنات البشرية. بهذا المعنى تكون فاعلية إنتاج الأقوال جزءا لا يتجزأ من الأشياء التي يقوم بها الناس لمواجهة محيطهم والتفاعل معه.

لا يرى رورتي حرجا في القبول بتصور ديوي للغة من حيث إنها أداة نستخدمها لمواجهة الواقع؛ لكننا يجب، في نظر رورتي، أن نحتاط حتى لا ننقاد إلى فصل الأداة عن مستعملها، ونشرع بعد ذلك في التساؤل عن تلاؤمها مع ما نصبو إليه من أهداف، كما نفعل ذلك عادة مع كل أداة مفصولة عنا. فصل اللغة (بوصفها أداة) عنا أمر مستحيل في نظر ديفدسن كما يقرأه رورتي.

إن الفصل يعني أن لنا طريقا في متناولنا نسلكه فنخرج من لغتنا ثم نقارنها بعد ذلك بشيء آخر. وهذا ـ لعمري ـ أمر لا نستطيع أن نتصور حصوله؛ لأنه ليس هناك إمكان يسمح بالتفكير في العالم أو في الأهداف التي نصبوا إليها من دون أن نستعمل لغتنا. حقا، إن بإمكاننا أن نستعمل لغتنا لننتقدها أو لنوسعها، ونكون في هذه الحالة كمن يمرن بدنه لكي يزداد قوة ويتطور، لكننا لا نستطيع، كما يقول رورتي، أن نخلع عنا لغتنا خلعا، ونأخذها ككل، ونضعها أمامنا، ثم نشرع في مقارنتها أو موازنتها بشيء آخر نزعم أنها تنطبق عليه أو تتطابق معه أو تمثل وسيلة لبلوغه والوصول إليه. بعبارة أوضح لا نستطيع أن نخلع عنا جلدنا ونغادره – أي لا نستطيع أن نغادر تقاليدنا اللغوية وغير اللغوية التي نُكوِّن فيها أفكارنا ونبدع ضمن حدودها نقدنا الذاتي- ونقارن أنفسنا بشيء آخر يوجد في خارج مطلق. فهذه الرغبة الأفلاطونية في الهروب من التناهي، في المكان والزمان، والفرار من المظاهر العارضة والاعتيادية للحياة، هي التي حركت في الناس تلك الرغبة الجامحة في التعالي بحثا عن المطلق.

* Rorty, Richard (1982) Consequences of pragmatism (Essays:1972-1982). University of Minnesota Press. pp. xviii- xix.