26‏/04‏/2014

هيجل وهولدرلين



لا يمكن للمرء أن يغض الطرف عن خلاف هولدرلين الشهير مع هيجل. فحين قرر هولدرلين التوقف عن السير على نهج فيشته وشيلينغ وهيجل في فهم العالم، عقد العزم وجمع الخواطر على أن يتابع نهج الشعر. هيجل كان قد حسم أمره في مسألة الشعر والفن عموما لمّا حكم على الفن بفروعه المختلفة وعده جزءا من الماضي، وآمن بأن الحقيقة لا يمكن أن تنكشف ويُمسَك بها ويُعبَّر عنها إلا من طريق الصيغ التصورية التي تسمح بها الفلسفة. هيجل كان يرى أن معاصريه الرومانسيين (بمن فيهم هولدرلين، ونوفاليس أيضا) واقعون في شَرَك الحنين إلى صيغ في مقاربة الحقيقة جاوزتها الفلسفة ونسختها نسخا. ميزة هولدرلين قائمة في أنه دافع عن موقفه باستعمال الصيغتين الفلسفية والشعرية (لتمكنه منهما معا) وحاول أن يبين أن الواقع ينكشف للشعر ولا يتناغم مع الصيغ التصورية التي يدافع عنها هيجل. (طبعا سيستثمر هايدغر مجهود هولدرلين لاحقا وسيبني عليه..) من الجهة السياسية سيعلق ميرلو- بونتي في سياق آخر لاحقا على هذه العلاقة المتوترة التي جمعت هيجل بهولدرلين قائلا: "إن تسوية هيجل كان لها مستقبل في الفكر السياسي أكثر من جذرية هولدرلين".


Maurice Merleau-Ponty. Humanisme et terreur : Essais sur le problème communiste. Paris. Gallimard 1947, p. 79.

هيجل

مفهوم السياسة عند رانسيير



"إن معظم الأمور التي اعتدنا على إدراجها في مجال السياسة، يضعها رانسيير (J. Rancière) في مجال آخر يختلف عن السياسة يسميه بــ 'التدبير'. لهذا السبب يميز رانسيير بين التدبير والسياسة. مجال التدبير يتضمن، في نظره، المؤسسات والعمليات التي تحكم تنظيم الجماعات وتمثيلَها، كما يتضمن صيغ ممارسة السلطة المختلفة، بما في ذلك الأنحاء التي تُوزَّع بها الأدوار الاجتماعية، والأنحاء التي يقع بمقتضاها تسويغ هذا التوزيع وإضفاء الشرعية عليه. اللفظ الفرنسي الذي يستعمله رانسيير للدلالة على 'التدبير' هو (Police). لم نترجم هذا اللفظ بـ 'شرطة' بل اقترحنا لفظ 'التدبير'؛ لأن الشرطة بمعناها المعروف ليست إلا مظهرا أو تجليا عارضا، كما يقول رانسيير، لما يقصده بالمفهوم [...] مجال التدبير يُعوِّل فيه رانسيير على أعمال فوكو. وهذا الأخير لا يقصد به الجهاز القمعي المعروف الذي تتوسل به الدول لفرض هيمنتها وتنفيذ سياساتها، بل يقصد به الجهاز الذي كشف عنه في أبحاثه حول كتابات القرنين السابع عشر والثامن عشر والذي يرادف تقريبا النظام الاجتماعي برمته. أما الأفراد الذين يلبسون البذلة ويحملون السلاح ويضعون على رؤوسهم القبعة ويجوبون الشوارع جيئة وذهابا فليسوا في الحقيقة إلا جزءا من جهاز أوسع هو النظام الاجتماعي بأكمله. أما السياسة (la Politique) فلا تبرز حسب رانسيير إلا لكي تنازع التدبير وتُبرز الحيف الذي ينهض عليه وتفتح بابا للتحقيق في دعوى المساواة التي يرفعها. بعبارة أخرى، إذا كان النظام التدبيري لا يكف عن الإدعاء بأن إجراءاته عادلة تصدر عن المساواة بين الأفراد، فإن السياسة تتدخل لكي تقول: إذا كان الناس متساوين فإن بإمكان الفرد الذي يحتل موقعا أن يحتل مبدئيا موقعا آخر مختلفا، ولتبين استنادا إلى هذا أن التراتبية التي يقيمها النظام التدبيري تحكميةٌ لا تستند إلى أي مبدأ. السياسة بعبارة أوضح تأتي لتُحرج النظام التدبيري بكشفها عن تناقضاته التي لا يستطيع احتواءها: ادعاؤه المساواة بين أفراد الجماعة واستناده في الآن ذاته إلى تراتبية تنظيمة تناقض المساواة المدعاة في الصميم. يوجد بعض التوازي بين هذه الثنائية وثنائية هابرماس: سلطة إدارية/ سلطة تواصلية. لكن على الرغم من هذا التوازي سنلاحظ أن رانسيير يرتب على ثنائيته (تدبير/سياسة) موقفا بالغ الجذرية".

*- الهامش (7) في مقالي عن هابرماس ورانسيير، قيد الطبع في صيغتين مختلفتين ضمن كتابين (الماركسية الغربية وما بعدها) إشراف د. علي عبود المحمداوي، و (الفرجة والمجال العمومي) إشراف د. خالد أمين.

 جاك رانسيير

جيجيك وهيجل



"يعمد جيجيك في قراءته لهيجل إلى تأويله تأويلا ماديا يخرجه من دائرة المثاليين (جونستون 2008 يصف مادية جيجيك بالترنسندنتالية). فهو يرى أن هيجل ليس لديه خارج. نحن على الدوام مدرجون – حتى بوصفنا ذواتٍ- في العالم الذي بنيناه بالصيغ التي توصلنا بها إلى معرفته. العالم لا يكون على النحو الذي هو عليه إلا بالقياس والنسبة إلى صيغ الفهم التي نستعملها. غير أن هذه الصيغ، وهنا يبرز البعد المادي للهيجلية حسب جيجيك، لم يقع بناؤها من عدم، بل استُنِدَ فيها هي أيضا إلى الأفراد والجماعات في التاريخ، أي أنها باختصار نتيجة للنشاط التاريخي الذي يصدر عن الناس. فهذه الصيغ نفسها تصبح ما هي عليه بفعل التجسيد الذي يلحقها عن طريق هؤلاء الأفراد والجماعات وعن طريق ممارساتهم المادية التي يقومون بها. فالـ 'مطلق' الهيجلي حسب هذا التصور لا يعني شيئا آخر غير تاريخية أنساق، والعالم العرَضي والتاريخي الذي تبدعه هذه الأنساق بالانعكاس، والذوات العرضية والمتمايزة التي تنشأ عن هذا كله. المطلق الهيجلي باختصار ليس شيئا آخر غير هذا المسلسل ذاته، وليس 'تَعرُّف المطلق' شيئا آخر يتعدى وعي هذا الأمر واستيعابَه".

 
*- الهامش 1 في مقالي 'سلافوي جيجيك' موسوعة الأبحاث الفلسفية للرابطة العربية الأكاديمية للفلسفة: الفلسفة الغربية المعاصرة. الجزء الثاني. إشراف: د. علي عبود المحمداوي، تقديم: د. علي حرب. منشورات: ضفاف، دار الأمان، الاختلاف (لبنان-المغرب-الجزائر) (2013)/ ص: 1584.


طوماس كون وألكسندر كويري


قال طوماس كون:

 
 طوماس كون


"لقد بدأت بقراءة أرسطو لكي أطلع على الاعتقادات التي كانت سائدة في عصره. مباشرة بعد ذلك وباقتراح من برنار كوهين وَقَعتُ على كتاب [ألكسندر] كويري 'دراسات غاليلية' فأحببت هذه الدراسات. أعني أنها بينت لي الكيفية التي ينبغي لي أن أسلكها في عملي، وهي كيفية لم أكن أتصور أن أعثر عليها في تلك الدراسات. بمعنى من المعاني لم يكن الأمر غريبا في الحقيقة بالنسبة إلي، لأنني كنت قد قرأت وأحببت العمل الرائع الذي كتبه لُوفْجُوي والمعنون بــ 'سلسلة الوجود الكبرى'. لكنني أستطيع القول بمعنى ما إنني لم أهتد إلى كيفية تطبيق ذلك على العلم إلا بفضل كويري".


Thomas S. Kuhn. The Road since Structure: Philosophical Essays. James Conant, John Haugeland (Editors). University Of Chicago Press,. 2000 p. 285.

مرجعيات التحليل السياسي عند إرنيسطو لاكلو



يقول الراحل لاكلو (E. Laclau) متحدثا عن أصول نظريته السياسية:



"أعتقد ابتداءً أننا في حاجة إلى نوع من التأليف بين ما يمكن أن أسميه فروعا متنوعة أو أنماطا متنوعة من النظرية ما بعد البنيويةـ لا يقف الأمر عند ما بعد البنيوية فحسب: المقاربة الفتجنشتاينية تعد هي أيضا مفيدة في هذا الباب. النزعة التفكيكية تمنحنا خطابا يسمح بتعميق منطق امتناع البت (
logic of undecidability) الذي أمسى مركزيا كما أشرت أعلاه. النظرية اللاكانية من جانبها تزودنا بخطاب يتناول منطق الفقد (lack)، ومنطق الدّالِّ، الذي يعد بدوره خطابا على درجة من الأهمية عالية. وأعترض بشدة على المحاولات التي تتسرع في إحداث تقابل بين النزعة التفكيكية والنظرية اللاكانية. الاثنتان تقبلان التأليف بينهما بطرق مختلفة تكون منتجة. وأعتقد أن بإمكان التصور الشامل لميكروفيزياء السلطة أن ينضم هو أيضا إلى هذه الجهود ويتكامل معها. وينبغي ألا نقلل من قيمة أعمال فوكو (وأعمال دولوز وغاتاري أيضا) وألا نتعامل معها بخفة كما يفعل بعض الناس. وهكذا نحصل على خطاب معقد ومركب يؤلف بين تقاليد فكرية تنطلق من مشارب ومنطلقات مختلفة لكنها تلتقي كلها وتتقاطع في مجال التحليل السياسي".

*- نص استشهدتُ به في مقالي 'ما بعد الماركسية' ضمن كتاب (خطابات الـ 'ما بعد'). إشراف د.علي عبود المحمداوي. منشورات ضفاف، الاختلاف، دار الأمان. 2013/ الهامش 2، ص: 81-82.