03‏/03‏/2012

مقتطفات من حوار مع الفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجيك (2010)


مقتطفات من حوار مع الفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجيك (2010)، ترجمتُها بتصرف طفيف جدا:

سألته إليزابيت ليفي، الصحفية بأسبوعية لو بوان (Le Point) الفرنسية، عن رأيه في عبارة 'الفيلسوف الأخطر الموجود اليوم في الغرب' التي وردت على غلاف أحد كتبه، قائلة: 'أليس الغرض من هذه العبارة تسويقيا للفت انتباه المشتري البورجوازي وإثارة فضوله؟'. فأجابها: "بالطبع هذا أمر من صميم التسويق. لكن المفارقة هاهنا هي أن هذه الجملة اقتطفت من كلام ينطوي على تهمة لا تطاق كانت قد أوردتها المجلة الأمريكية نيو ريبابليك (New Republic). فقد أوردتْ هذه المجلة بكيفية محرفة، تنم عن سوء نية، نقاشا كان قد دار بيني وبين جان كلود ميلنر، اتهمتني فيه المجلة المذكورة بأنني أحض على إقامة محرقة جديدة لليهود لا يُستثنى منها إلا اليهود الذين ينتقدون إسرائيل. وهذا –لعمري- فظيع. نقدي لإسرائيل يتحرى الدقة، ولا يترك الفرصة لأي شبهة مهما دَقَّت أو صغرت للتسامح مع اللاسامية. بعد أن أخبرتك بهذا، أعود فأقول: نعم أنا شخص خطير، لكنني لست كذلك إلا لكوني أتصدى بالنقد للميثاق الليبرالي المسيطر. وهذا هو الممنوع على الناس أن يخوضوا فيه".

هل الرأسمالية هي عدوك، أو بعبارة أقدم، هل الديمقراطية البورجوازية هي عدوك؟

لست معاديا أو كارها للديمقراطية. وأرى أن السؤال الأهم سبق أن وضعه فوكوياما. فحين عمد إلى وصف الديمقراطية الليبرالية بأنها الأفق الأقصى للتاريخ، أسس بوصفه هذا طوبى جديدة. استهزأ به كل الناس، لكنهم بمن فيهم اليساريون قبلوا بما ذهب إليه بصمت. اليسار يقبل هذا عندما يتحدث عن الرأسمالية بوجه إنساني.

تقصد هنا ما يسمى بالاشتراكية الديمقراطية. ما هو اعتراضكم عليها؟

ألاحظ أنها شارفت على نهايتها. وهو أمر تجريبي ملموس. ونستطيع أن نقول، بعبارات فرويد، إن هناك استياءً من الليبرالية. لكن، وخلال عقود تحت هذا النظام، أدت المواجهة السياسية إلى قيام حزب يمثل يسار الوسط، وحزب آخر يمثل يمين الوسط، أضيفت إليهما أحزاب صغرى متخصصة. وهذا التقسيم أخذ (اليوم) في التلاشي، فاتحا المجال أمام انقسام آخر أقدم منه بين حزب رأسمالية الوسط، وحزب يمكن أن أصفه بالأصولي، أي حزب يميني متشدد ومعاد للمهاجرين. فأن تكون المعارضة الوحيدة الناجعة من الناحية السياسية للرأسمالية هي هذه، يعد أمرا مقلقا جدا بالنسبة إلي.

...

[عن التعدد الثقافي والرأسمالية]

إنني لا أدافع عن كونية مجردة تنفي الثقافات الملموسة والخصوصيات. الانتماءات في رأيي موجودة حتى وإن كنت أرى، مثل باديو (A. Badiou) تماما، أنها ليست الأفق الأقصى للحقيقة. فلكل ثقافة تناقضاتها الخاصة ويتعين عليها أن تبتدع كونية تستلهم فيها قواعد نحوها الخاص....

الرأسمالية نظام كوني مجهول الاسم، يخلق (يؤجج) في كل مكان النزاعات نفسها. إنه أول نظام في العالم يوجد 'خارج العالم' (hors monde) كما يقول باديو. وأريد أن أضيف هنا أنه نظام من طبيعته التعدد الثقافي. فهو لا يحتاج إلى اجتثاث الفروق والهويات الإثنية؛ بل على العكس من ذلك، إنه يذكيها ويشجعها، إنه يشجعها حتى في قلب الدولة الوطنية نفسها. قبل ثلاثين سنة كانت أفغانستان تمثل أحد البلدان الأكثر علمانية في العالم الإسلامي. لم تصبح أفغانستان أصولية إلا بعد أن زُجَّ بها في السياسة المعولمة (لعبة الأمم). لست من الذين يقيمون تعارضا بين التسامح والتعددية من جهة، والأصولية من جهة أخرى. إنهما معا في الجهة نفسها، بل إنهما جهة واحدة. وقد سبق لفالتر بنيامين أن قال: ما من فاشية تولد إلا ويكون ذلك إثر ثورة فاشلة. وهذا يصدق أيضا على الإسلام الراديكالي، فهو لا يزدهر إلا بسبب غياب يسار علماني.

...

[بصدد البرقع] هل من المزعج في شيء أن نقول إن الناس في الغرب يكشفون عن وجوههم؟

إنني لا أتفق مع التحليل الذي عرضه ليفيناس عن الوجه. فالوجه لا يكشف بالضرورة عن الحقيقة [كما توهم ليفيناس]. وقد تعاظم ذلك وتفاقم أكثر عندما أصبح بإمكاننا أن نغير وجوهنا ونعيد تصميم ملامحنا ورسمها. وليس من قبيل المصادفة أن تَستبعد الاتصالاتُ الأكثر حميمية، كالاتصال بين المحلل النفسي وطالب التحليل، اللقاءَ وجها لوجه.

...

أولا أنا أحب اللفظ 'شيوعية'، لأنه لفظ يصدم. لكن من الواضح بالطبع أن شيوعية القرن العشرين كانت كارثة بالمعاني كلها. وأنا أقول هذا أشير إلى أن مفكر الليبرالية الكبير، كارل بوبير (K. R. Popper)، أثبت أن ما من أحد يمكنه أن يستدل على أن الأغلبية على حق. وهذا لا يعني أن فاعلا تاريخيا آخر يستطيع أن يبلغ الكونية ويعرف ما يريده الشعب. لكن يجب علينا أن نقبل بأن الشعب أحيانا لا يكون عارفا أين توجد مصالحه الحقيقية. بل قد لا يريد حتى الحسم في هذا الأمر. لكن عندما يختار هذا الشعب بكيفية حرة حقيقية، ينطلق الهلع ويشرع الناس في الحديث عن أزمة الديمقراطية. يتعين علينا إذن أن نتوقف عن أسطرة الديمقراطية.

« Slavoj Zizek : ‘Je me sens comme Lénine en 1915‘ ». Propos recueillis par Elisabeth Lévy. Le Point. le 21/01/2010

02‏/03‏/2012

العنف والقانون



القانون مزج صادم بين العنف والنظام. سن القانون يعد في حد ذاته جريمة. إنه جريمة تُقترَف في حق النظام القديم أو القانون القديم. فالقانون الجديد لا يزيح القديم عن عرشه إلا لكي ينصب نفسه مكانه مدعيا أنه الأولى بالسيادة. حتى دولة القانون نفسها تخفي نوعا من اللاقانونية الملازمة لا تنفك عنها. ما تخفيه أو تحجبه هو العنف الذي تؤسس به نفسها كدولة قانون في المقام الأول. لهذا السبب لا نستطيع أن نتصور قيام نسق قانوني أو قيام نظام بعينه من دون جرم مؤسس. بيد أن القانون لكي يستوي ويشرع في الاشتغال لا يلبث أن يفرض على الخاضعين له غض الطرف عن العنف الذي رافق تأسيسه. غض الطرف عن العنف هنا لا يعني شيئا آخر غير التعامل مع القانون كما هو موجود هنا والآن والإعراض عن التفكير في المسير الذي قطعه حتى استوى وأصبح موجودا. إن هذا الإعراض هو الذي يقلب العنف قلبا ويجعله قانونا. يقول جيجيك (1991: 204): "عند ابتداء كل قانون يوجد ضرب من 'الخروج عن القانون'، أي يوجد نوع من العنف الواقعي يصادف فعل إحلال حكم القانون ذاته. فالحقيقة القصوى التي تستفاد من حكم القانون هي حقيقة الانتهاك. وقد انبنى الفكر السياسي الفلسفي الكلاسيكي كله على الالتفاف على هذا الفعل العنيف المحايث للتأسيس وإنكاره.... وهذا العنف غير المشروع الذي يسند به القانون نفسه ينبغي ـ لعمري ـ أن يُحجب بأي ثمن، لأنه في هذا الحجب يوجد الشرط الإيجابي الذي يمكن القانون من أداء دوره. فهو (أي القانون) يؤدي دوره كلما كان المكلفون الخاضعون له مخدوعين، أي كلما اختبروا سلطة القانون في أنفسهم من حيث إنها سلطة أصيلة وخالدة".

S. Zizek (1991) For They Know Not What They Do. London: Verso.