12‏/02‏/2010

هابرماس والأيديلوجيا

ترى ماييف كوك في كتابها (Re-Presenting the Good Society) أن هابرماس سلم في كتاباته الأولى بتراث ماركس ولوكاتش وأدورنو، وبوأ مثلهم فكرة الأيديلوجيا مكانة متميزة بوصفها وعيا خاطئا ينطوي على صفة الضرورة. لكنه ابتعد بالتدريج لاحقا عن مفهوم النقد الأيديلوجي في كتاباته. وتذهب كوك إلى أن هابرماس لم يعد يولي اليوم اهتماما يذكر لهذا النقد. والموقف الذي يصدر عنه راهنا يشي، كما ترى كوك، بأن مفهوم الأيديلوجيا كما يتصوره لم يعد يتساوق مع صور الوعي المميزة الشائعة في المجتمعات الرأسمالية الراهنة. فالأيديلوجيات كلها بالنسبة إلى هابرماس تتخذ لنفسها شكل تصورات كليانية للنظام، وتقدم تأويلا مندمجا للمجتمع بوصفه كلا ذا معنى. ونجاعة التصورات الأيديلوجية، أي قدرتها على فعل فعلها، تتطلب على جهة الوجوب وجود مجال للاعتقاد والفعل يقبل الفهم على أنه "مجال مقدس"، أي يقبل أن يكون محصنا من الآثار المدمرة التي يمكن أن يخلفها الفحص والنقد العقلانيان. إن مجال القداسة هذا الذي تعول عليه الإيديلوجيات كلها، لكي تفعل فعلها، لم يعد موجودا بسبب مسلسل العقلنة الثقافية الذي ميز مسيرة الحداثة. فمسلسل العقلنة هذا كان في الوقت نفسه مسلسلا لنزع القداسة ورفع المهابة عن المجالات كافة، ممكنا النقد من التسرب إلى هذه المجالات والتغلغل فيها. والنتيجة التي ننتهي إليها هي أن التصورات الشاملة التي تَفرض على المجتمع كلِّه معنى واحدا ترضاه لم يعد بالإمكان الدفاع عنها في مجتمعات أتى فيها التحديث على الأخضر واليابس. وكما يقول هابرماس "إن الممارسة التواصلية في الحياة اليومية لم تعد تمنح جيوبا أو أعشاشا تأوي العنف البنيوي الذي تعيش عليه الأيديلوجيات". فالوعي المتشظي في نظر هابرماس هو الذي حل محل صور الفكر الأيديلوجي التقليدية، وهو الذي أصبح يقوم اليوم بالوظيفة التي كان هذا الفكر يقوم بها في السابق. فهابرماس يرى، حسب كوك، أن عدم إدراك الحاجات والمصالح الحقيقية في المجتمعات الرأسمالية الراهنة التي اختفت فيها القداسة لا يرجع كما كان الحال عليه في السابق إلى اعتناق تأويل مضلل للمجتمع من حيث إنه كل ذو معنى، بل يعود في نظره إلى الوعي المتشظي الذي يهيم على وجهه ويصد الرؤية الصحيحة للأشياء عن الانبثاق. فعدم إدراك الحاجات والمصالح عند هابرماس يشير إلى ما أسماه بالاستعمار الذي لحق العقلانية التواصلية، أي يشير إلى اكتساح العقلانية الوظيفية المميزة لنسقي الاقتصاد والإدارة مجالَ العالم المعيش الذي ينبني على العقلانية التواصلية ويستند إليها.

لهذه الأسباب وغيرها مما له صلة وثقى بها تراجع مفهوم الأيديلوجيا بوصفه وعيا كاذبا له صفة الضرورة وفقد أهميته التحليلية لدى كثير من نظار النقد الاجتماعي، وخصوصا لدى المنتمين إلى تراث مدرسة فرانكفورت والمتأثرين به.


11‏/02‏/2010

الناموس

الناموس اصطلاح معرب عن اللغة اليونانية من اللفظ (nomos) الذي يعني "قانون". ولا يستعمل الاصطلاح إلا عند الحديث عن قوانين الطبيعة. أحيانا نميز بين الصفة "ناموسي" وبين الصفة "نامولوجي". تستعمل الصفة الأولى عندما يكون الحديث متصلا بالنواميس في حد ذاتها؛ أما الصفة الثانية فغالبا ما تستعمل عندما يكون الحديث منصرفا إلى الخطابات والنظريات التي تتناول موضوع نواميس الطبيعة.


القاعدة التكرارية


تشيرالقاعدة التكرارية (Recursive rule) في الاصطلاح إلى القاعدة التي تقبل أن يعاد تطبيقها بكيفية لا متناهية على النتيجة التي ترتبت على تطبيقها في السابق. قاعدة الإضافة في العربية على سبيل المثال تُعَدُّ قاعدة تكرارية: نأخذ المكونين 'أم' و 'زيد'، فنطبق عليهما قاعدة الإضافة، فنحصل بعد التطبيق على: "أُمُّ زيدٍ"، ونعيد تطبيق القاعدة على النتيجة التي حصلنا عليها أولا، فنقول: "عمُّ أمِّ زيدٍ"، ثم نعيد تطبيقها مرة أخرى فنقول "جارُ عمِّ أمِّ زيدٍ"، ونعيد تطبيقها مرة أخرى كذلك فنقول "رفيقُ جارِ عمِّ أمِّ زيدٍ"، وهكذا دواليك وهلم جرا...

يعتقد تشومسكي في أعماله الأخيرة أن ملكة اللغة بمعناها المحصور( faculty of language-narrow sense) تقبل الرد إلى نسق تكراري. ويذهب في سياق البرنامج الأدنى (minimalist program) إلى أن النسق التكراري يمثل حلا حاسوبيا "ناجعا" (optimal) لمشكل إيجاد واجهة أو جنبة بين أنساق عرفانية أو معرفية بشرية كثيرة كنسق إدراك الأصوات اللغوية، ونسق تحريك النطق بتلك الأصوات، ونسق المقاصد التواصلية، ونسق بناء التصورات عن العالم...الخ. فاللسانيات المبنية على البرنامج الأدنى تقضي بأن ظهور النسق التكراري ( بعد انفصال مسيرة تطور الإنسيات عن مسيرة القردة الكبرى منذ ما يقرب من ستة ملايين سنة) وتحكمه في الحسابات التركيبية الخاصة بملكة اللغة هو الذي سمح بقيام التنسيق بين الأنساق المعرفية المختلفة التي تتدخل في ممارسة التواصل الكلامي وتوجهها.




النسق الخبير



النسق الخبير (Expert system) برنامج مصمم لحل المشاكل وتقديم المشورة وإسداء النصح (giving advice) في ميدان من المعرفة مخصوص، كالتشخيص الطبي، أو تصميم السيارات، أو التنقيب الجيولوجي... الخ. ويمكن للنسق الخبير الجيد في مجال معين أن ينافس الإنسان الخبير في هذا المجال... وقد أدت العناية بالأنساق الخبيرة إلى ظهور مهنة جديدة إلى الوجود تُعرف في الاصطلاح بهندسة المعرفة (Knowledge engineering). وينصب عمل مهندسي المعرفة على مراقبة الخبراء من البشر في مجالات تخصصهم لفترات طويلة نسبيا (قد تمتد شهورا أو أكثر) واستجوابهم لرصد الوقائع الرئيسة المطردة في عملهم والتمكن من القواعد التي يصدرون عنها ويتبعونها في إصدار أحكامهم واتخاذ قراراتهم. وعندما يتمكن المهندسون من جمع هذا الكم الهائل من المعارف، يعمدون إلى حصره وتنظيمه وصورنته، ثم يضعونه في القاعدة المعرفية للبرنامج.


من أشهر الأنساق الخبيرة نذكر على سبيل المثال، لا الحصر، نسق ديندرال (Dendral)، المتخصص في التحليل الكيميائي، والذي قيل عنه إن "له قوةً على الاستدلال في علم الكيمياء تعادل قوة معظم طلبة السلك الثالث في المجال وبعض حاملي شهادة الدكتوراه أيضا"..! وتعمل الأنساق الخبيرة في الاستشارة في ميادين متباينة كالتدبير المالي، وتخطيط المقاولات، والتنقيب عن النفط والمعادن عموما، والهندسة الوراثية وتصنيع وسائل النقل، وتصميم البرامج الحاسوبية.