08‏/09‏/2012

بعض قضايا الإدراك عند ميرلو-بونتي



نصوص مقتطفة من كتاب ميرلو- بونتي: فينومينولوجيا الإدراك.
 


الإدراك من زاوية الباطن 
      
"عندما ننظر إلى الإدراك من جهة الباطن فإننا نلفيه غير متصل بما نعرفه عن العالم بطرق أخرى، أي نلفيه منفصلا عن المنبهات كما تصفها الفيزياء، أو الحواس كما تصفها البيولوجيا. فالإدراك منظورا إليه من جهة الباطن ليس حدثا حاصلا في العالم نستطيع أن نخضعه لمقولة السببية مثلا أو نطبقها عليه، إنه على العكس من ذلك خلق جديد أو تشكيل للعالم متواصل يتجدد في كل لحظة ولا يتوقف أبدا أو يكل". (ص: 240)

        وحدة الأنا وكثرة الحواس

        "بما أن حواسي كثيرة، فإنها ليست أنا. إنها لا تعدو أن تكون موضوعات. حقا، إنني أقول إن عيني ترى ويدي تلمس ورجلي تتألم. بيد أن هذه العبارات لا تترجم تجربتي الحقيقية بالأمانة المطلوبة. إنها عبارات تمنحني تأويلا مُغرضا يفصل التجربة عني من حيث إنني صاحبها الأصلي. فلكوني أعرف أن الضوء يصيب عيني، وأن التماس يحدث عن طريق جلدي، وأن الحذاء يجرح قدمي، أقوم بتوزيع الإدراكات التي تنتمي إلي وأبعثرها على أطراف بدني… بيد أن ما أقوم به هاهنا لا يعدو أن يكون المظهر المكاني والزماني لأفعال الشعور. لأنني إذا نظرت إلى هذه الإدراكات من جهة الباطن سأعثر على معرفة فريدة لا موقع لها البتة، أي سأعثر على نفس لا أجزاء لها". (ص:246).

        قصدية الإحساس

        "إن الإحساس شأن قصدي، لأنني عندما أحس أعثر في المحسوس على قضية مخصوصة تعبر عن إيقاع معين في الوجود… وعندما أستسلم للقضية وألاحقها وأتمكن من التسرب إلى صورة الوجود التي تفضي بها إلي، أجدني وجها لوجه أمام وجود خارجي يغريني إغراءا فأقبل عليه أو يصدني صدا فأعرض عنه". (ص:247).

Merleau-Ponty, M (1945) Phénoménologie de la perception. Gallimard. Tel. Paris.

عن الإسلاميين والديمقراطية: مقتطفات من مقال أوليفيي روا




مقتطفات من مقال أوليفيي روا
 
Olivier Roy  “The Transformation of the Arab World” in Journal of Democracy  Volume 23,  Number 3  July 2012
أوليفيي روا


يقول أوليفي روا:

"الإسلاميون والسلفيون على حد سواء يرفضون العلمانية، ويقاومون التأثير الناجم عن القيم الغربية، والإفراط في الميل إلى النزعة الفردانية. إنهم في كل مكان يلحون على أن الدين يقع في صلب الهوية الوطنية. وهم محافظون في المجالات كافة ما عدا الاقتصاد" (ص: 6).

"من الصعب مقارنة ما يجري في الشرق الأوسط بما جرى في مناطق أخرى من العالم (كأمريكا اللاتينية) ذلكم لأن الشرق الأوسط هو المكان الوحيد الذي تتشكل المعارضة المهيمنة فيه من أحزاب أيديولوجية ومركزية تصدر عن أجندة دينية" (ص: 6- 7). 

"يمكن أن يكون للأحزاب الإسلامية الكثير من القدرة والحرية على المناورة؛ لكنها مع ذلك ستلفي نفسها أيضا مدفوعة دفعا إلى التلاؤم مع العملية الديمقراطية. إنها ستلفي نفسها مدفوعة إلى ذلك بسبب القيود والديناميات التي تعتمل في المجالات الاجتماعية والدينية والسياسية والجيواستراتيجية التي يتعين عليها أن تعالجها" (ص: 7).

يقول أوليفي روا :
"لكي نفهم ما يجري في الشرق الأوسط، يتعين علينا أن نضع جانبا عددا من الأحكام المسبقة التي تضرب بجذورها في أذهان الكثيرين. ومن بين هذه الأحكام الزعم الذي يقول إن الديمقراطية تقتضي العلمانية. والملاحظ هو أن الحركة الديمقراطية في العالم العربي لم تنطلق على وجه التحديد إلا بعد ثلاثين عاما مما يسمى بـ 'عودة المقدس' (return of the sacred)، أي بعد انطلاق مسلسل إعادة أسلمة الحياة اليومية وظهور أحزاب إسلامية. الحكم المسبق الثاني هو القول إن الديمقراطية يجب بالتعريف أيضا أن تكون ليبرالية. الملاحظ هو أننا لم نشهد ازهارا لـ 'إسلام ليبرالي' مَهَّدَ لانتشار الأفكار الديمقراطية في الشرق الأوسط. هناك مفكرون قلائل يدافعون عن الإصلاح الديني يشاد بأعمالهم في الغرب من حين إلى آخر؛ لكن لم يسبق لأحد منهم أن كان له امتداد أو حضور شعبي في أي قطر من الأقطار العربية. في مقابل هذا، كثير من عتاة العلمانية في تونس على سبيل المثال ليسوا ديمقراطيين. انهم يريدون أن يقمعوا الإسلاميين تماما كما فعل المثقفون العلمانيون الجزائريون المعروفون بـ 'الاستئصاليين' في بلادهم إبان الحرب الأهلية في التسعينات. زد على هذا أن الفاعلين الأصوليين المتدينين كإسلاميي النهضة في تونس أو حتى السلفيين في مصر بإمكانهم أن يصبحوا فاعلين بكيفية لا إرادية في بناء صورة متميزة من العلمانية السياسية التي يجب أن لا نخلطها بالعلمانية الاجتماعية.
التاريخ الغربي [نفسه] لا يناقض هذه الأطروحات. فالتسامح الديني لم يكن ثمرة الليبرالية والتنوير؛ بل كان نتيجة هدنات تُبرم على مضض عقب حروب دينية طاحنة، من الهدنة التي تعرف بسلام أوغسبورغ سنة 1555، إلى معاهدة ويستفاليا سنة 1648. فالسياسة تلعب دورا أكبر بكثير من الدور الذي تلعبه الفلسفة أو الثيولوجيا" (ص: 7).