19‏/11‏/2014

مفارقة الحقبة


"توجد مفارقة مُحيرة في حقبتنا الراهنة لا تخطئها العين: فمن إفريقيا إلى أوروبا الشرقية، ومن آسيا إلى أمريكا اللاتينية، ازداد تعلق البلدان والمجموعات أكثر فأكثر بفكرة الديمقراطية؛ بيد أن هذا التعلق بالفكرة يأتي بالضبط في الوقت الذي أصبحت فيه نجاعة الديمقراطية نفسها كصيغة وطنية من صيغ التنظيم السياسي موضع سؤال وريبة. فبعد أن أصبحت مجالات النشاط البشري الرئيسة في البلدان تخضع في انتظامها بالتدريج للمستويين الإقليمي والعالمي، بات مستقبل الديمقراطية، وعلى الأخص استقلال الدولة الوطنية الديمقراطية، محفوفا بالمخاطر والصعوبات".



Held, D. (1998) "Democracy and Globalization". In: Archibugi, D., Held, D. & Kohler, M. (eds.) Re-imagining Political Community: Studies in Cosmopolitan Democracy. Cambridge, Polity Press, pp. 11–27, p. 11

18‏/11‏/2014

المشكل العويص في المسرح الوطني.. أو فلسفة الذهن موضوعا مسرحيا


عنوان مسرحية طوم سطوبارد (المشكل العويص) مستوحى من أعمال الفيلسوف الأسترالي ديفيد تشالمرز. هذا الأخير اقترح في أعماله، خصوصا في كتابه (الذهن الشاعر 1996)، وجود ضربين من المشاكل يتناولهما البحث في الذهن عموما والشعور بوجه خاص: مشاكل تقبل الحل بواسطة العلم، وسماها المشاكل النفسية، ومعنى هذا الاسم أنها تقبل الحل في إطار علم النفس المعرفي لإمكان رصدها وتكميمها وقياسها، وأخرى يقف العلم عاجزا عن حلها. وهذه الأخيرة وضعها تحت مشكل عام سماه المشكل العويص (The Hard Problem). وتتلخص هذه الأخيرة فيما يسميه الفلاسفة بالكيفيات أو الكيفيات الوجدانية (Qualia) وهو جمع مفرده (Quale). المسرحية تتناول الاضطرابات الخصوصية التي تعتري شخصياتها كالباحثة في علم النفس هيلاري (لا يستبعد أن يكون هذا الاسم الذي يقع على الذكر والأنثى تلميحا لهيلاري باتنم (H. Putnam)، على الرغم من أن هذا الأخير فيلسوف وليس عالم نفس !) لإبراز الصدام بين العلم الخالص الذي يتناول الملموسات المادية القابلة للتكميم والكيفيات المنفصلة (جزئيا أو كليا حسب الفلاسفة) عن هذه الملموسات المادية. المسرحية تثير السؤال المركزي الذي يدور عليه النقاش في فلسفة الذهن (والذي نجده عند سورل ودينيت وشالمرز...الخ) وهو: إذا لم يكن في العالَم شيء آخر غير المادة، فما هو الشعور يا ترى؟. هناك في الحقيقة صعوبة بالغة في ترجمة هذا النقاش الفلسفي إلى لغة درامية على الخشبة. لكن كل شيء ممكن. المسرحية لم تعرض بعد.. سنرى صيغة المعالجة التي سيعمد إليها المخرج عند عرضها. (جانب من هذا النقاش الفلسفي تناولناه في مقالنا عن فتجنشتاين بمجلة (المخاطبات) كنا قد علقنا رابطه على هذه المدونة، وجانب آخر ذو صلة بالمسرح كنا قد تناولناه في عرض ألقيناه في الصيف الماضي في إطار ندوة طنجة المشهدية عن الدراماتورجيا البديلة، سينشر لاحقا).


David Chalmers. The Conscious Mind: In Search of a Fundamental Theory. Oxford University Press. 1996.

عن الأسطورة والحقيقة والفلسفة



شيارا بوتيشي
ترى شيارا بوتيشي في أحد فصول كتابها (2007) أن الـ 'أسطورة' (Mythos) في الثقافة الإغريقية المستندة إلى هوميروس لم تكن تعني شيئا آخر غير 'كلمة' أو 'كلام'، لهذا استُعملتْ ابتداءً مرادفا للغوس (Logos). فعلى العكس من السردية التي ترى أن نشأة الفلسفة اقترنت بالانفصال عن الأسطورة، لم يشرع الإغريق حقيقة في المقابلة بين الأسطورة واللغوس إلا في أثناء القرن الرابع قبل الميلاد. ليس هناك وثائق تثبت وجود هذا التقابل قبل هذا التاريخ. بل حتى حين بدأ التمييز بين اللفظين يزداد ويترسخ على عهد السوفسطائيين (في القرن الخامس قبل الميلاد) – حيث أصبح استعمال 'أسطورة' مختصا بالدلالة على معنى القصة أو الحكاية، واستعمال 'اللغوس' مقرونا بالخطاب والحساب- لم يتوقف الفلاسفة أو يستهجنوا، على الأقل حتى أفلاطون، اللجوء إلى استعمال الأساطير في تفصيل نظرياتهم (أسطورة الكهف على وجه الخصوص). وإذا كان الطابع الاحترافي الذي أصبح يميز الفلسفة شجع بعض الفلاسفة ودفعهم إلى الوقوف موقفا نقديا إزاء التراث الأسطوري العتيق، فإن هذا لم يدفع أرسطو، وهو من هو، أو يغريه بربط الأسطورة باللاحقيقة وباللاواقع. فقد عد أرسطو الأساطير (mythoi) عناصر مكونة للشعر جوهرُها محاكاة (mimesis) الواقع أولا وأخيرا وليس نقضه..

صاحبة الكتاب تناقش الفرنسي (جان بيار فيرنان) ولا تتفق معه، بل تنتقده وتنتقد هوسيرل قبله. إنها لا ترى أن ظهور الفلسفة تم بالإقلاع أو الخروج من الأسطورة (exit from myth). هذا في نظرها يتضارب مع الوثائق، حتى المتأخرة التي وصلتنا، التي لا تؤيد الرأي الذي يقول إن الأساطير غير عقلانية، ويتضارب مع كون الفلسفة استمرت في استثمار الأسطورة استراتيجية من الاستراتيجيات الأساسية في قلب خطابها العقلاني. لا يتعلق الأمر هنا بأسطورة الكهف الأفلاطونية فقط بل بأساطير كثيرة لجأ إليها من هم فلاسفة خُلّصٌ ابتداء بطاليس الذي اشتهر بقوله 'إن الأشياء كلها مملوءة بالآلهة' (panta plera theon einai). طاليس، وهو فيلسوف، سيُعَد من منظور فيرنان صاحب تصور أسطوري خالص وليس عقلانيا (وهذا يتضارب مع أرسطو في ميتافيزيقاه الذي يرى أن طاليس فيلسوف، بل فيلسوف طبيعي). تحليلات فيرنان، على الرغم من أهميتها، تصدر عن مقابلات باتة (comme à la hache)فضلا عن أنها تدرج تفسيراتها للفروق بين الأسطورة والفلسفة ضمن إطار موسع سياسي واجتماعي يخص تطور المدينة اليونانية وهو إطار غطى على الافتقار إلى الوثائق التي تؤيده بالتوسيع...


Chiara Bottici. A Philosophy of Political Myth. Cambridge University Press 2007 .