العرض الذي ألقيته الإثنين فاتح يوليوز 2024 في ندوة نظمتها دار الشعر التي يشرف عليها الصديق العزيز الشاعر مخلص الصغير. كان موضوع الندوة هو "الشعر.. من الإبداعي إلى الذكاء الاصطناعي" وقد ساهم فيها أيضا الأستاذان عبد السلام بنعبد العالي وسعيد بنكراد، وقد رَئِسَ الجلسة وسيرها الأستاذ الشاعر ياسين عدنان.
ملخص العرض:
تناولت في عرضي جانبا يتصل بالعلاقة بين الذكاء الطبيعي والذكاء الاصطناعي بالرجوع إلى أهم النقاشات التقنية والفلسفية التي صاحبت تطور مبحث الذكاء الاصطناعي. وفي هذا الصدد ركزت على اللحظة الفارقة في هذا التطور والمتمثلة في النقاش الذي ثار بعد المباراة الشهيرة في الشطرنج التي انتصر فيها حاسوب شركة آي بي إم (Deep Blue) على بطل العالم حينها غاري كاسباروف. عرجت في هذا الصدد على بعض الأمور التقنية بالعودة إلى ما صرح به الفريق المصمم للحاسوب عقيب المباراة (وخصوصا فينغ هسو، وموراي كامبل، وجوزيف هوان، وكبير أساتذة الشطرنج جويل بنيامين الذي درب الحاسوب وأمضى الساعات الطوال يلاعبه ويختبره استعدادا لمواجهة كاسباروف). وانتقلت بعد ذلك إلى الأمور الفلسفية التي اختصرتها، بسبب ضيق الوقت، في أطروحات الفيلسوف هيوبير دريفوس الذي يعد من أشد منتقدي الذكاء الاصطناعي لكي أبين أن النقد الذي صوبه دريفوس نحو المبحث بالاستناد إلى أطروحات هايدغر، سرعان ما تحول هو نفسه إلى برنامج بحث بديل في الذكاء الاصطناعي ذاته. فالنقد الذي وجهه دريفوس أصبح مقبولا لدى عدد كبير من الباحثين في المجال لا بوصفه نقدا لمبحث الذكاء الاصطناعي جملة وتفصيلا كما كان يظن دريفوس في البداية، بل لبرنامج بحث مخصوص في الذكاء الاصطناعي، أي البرنامج الذي يعتمد مفاهيم التمثيل والصورنة والتحكم في الرموز. وقد لعبت أعمال الفيلسوفة بيث بريستون، من بين أعمال باحثين آخرين، وخصوصا مقالها (Heidegger and Artificial Intelligence) دورا أساسيا في التنبيه إلى إمكان بناء برنامج بحث في الذكاء الاصطناعي يرفض المفاهيم المذكورة أو يدرج الإيجابي فيها ضمن تصور أوسع يحتوي اقتراحات هايدغر التي بنى عليها دريفوس نقده.
لقد قصدت من التعريج على هذا النقاش الخروج من دائرة النقاش العاطفي والرومانسي الذي يتغنى بتميز ما هو طبيعي استنادا إلى حدوس فضفاضة لا تقدم ولا تؤخر كانت رائجة في الخمسينات، ولكي أبين أن عفريت الذكاء الاصطناعي قد خرج من القمقم ولن يعود إليه ثانية، وعلينا أن نصمم استراتيجيات ناجعة للتعايش بسلاسة، وحذر أيضا، معه. وكنت في مفتتح عرضي قد قرأت قصيدة (وردة بين الأشواك) على الحاضرين طلبتُها أمس من شات جي بي تي، أخبرني بعضهم/هن أنها قصيدة لا بأس بها نستطيع أن نضفي عليها بعض التحسينات 'الطبيعية' لتستقيم، أخذا بما كان قد ألمع إليه الجاحظ حين قال عن الشعراء الطبيعيين في بيانه: "ومن شعراء العرب من كان يدع القصيدة تمكث عنده حولاً كريتًا [أي كاملا] وزمنًا طويلاً، يردد فيها نظَره ويُجيلُ فيها عقلَه، ويُقلِّبُ فيها رأيَه؛ اتهامًا لعقله وتتبعًا على نفسه، فيجعل عقلَه زمامًا على رأيه، ورأيَه عيارًا على شعره إشفاقًا على أدبه وإحرازًا لما خوّله الله من نعمته...".