15‏/02‏/2012

بيل غيتس، العقل العام والاستلاب



بيل غيتس

يقول الفيلسوف سلافوي جيجيك*:


"كيف تسنى لشخص مثل بيل غيتس أن يصبح أغنى رجل في العالم؟ ثروة الرجل لا علاقة لها البتة بتكاليف الإنتاج التي تستلزمها المنتوجات التي تبيعها شركة مايكروسوفت (بل إن بإمكان المرء أن يؤكد أن مايكروسوفت تدفع لعمالها الفكريين أجورا عالية إذا قارنا الأمر بالشركات الأخرى). كما أن هذه الثروة ليست نتيجة لنجاحه في إنتاج برمجيات جيدة بأثمان تقل عن أثمان منافسيه، أو نتيجة لمستويات 'الاستغلال' العالية التي يُخضِع لها العمال الفكريين الذين يشغلهم. لو أن الأمر كان كذلك لكانت مايكروسوفت قد أعلنت انهيارها وإفلاسها منذ زمان. كان الناس سَيُقبلون بكثافة على اختيار برامج مثل لينوكس، التي تمتاز بأنها مجانية وبأنها، حسب المتخصصين في المجال، أفضل من برامج مايكروسوفت. لماذا بقي ملايين الناس إذاً يشترون إلى يومهم هذا منتوجات مايكروسوفت؟ لأن مايكروسوفت نجحت في فرض نفسها بوصفها معيارا كونيا أو تكاد تكون كذلك، إنها تكاد تحتكر المجال وتسيطر عليه. لقد فرضت نفسها كما لو أنها تجسد تجسيدا مباشرا 'العقل العام' (general intellect). لقد أصبح غيتس الرجل الأغنى على وجه البسيطة في ظرف عقدين من الزمان عن طريق الاستيلاء على الريع المستفاد من كونه أتاح لملايين العمال الفكريين أن يشاركوا في هذه الصورة من صور 'العقل العام' التي يمتلكها ملكية خاصة ويراقبها. هل يصح إذاً أن نقول عن العمال الفكريين اليوم إنهم ليسوا مفصولين كما كان العمال فيما مضى عن الشروط الموضوعية لعملهم (يملكون حواسيبهم الشخصية التي يعملون بها...الخ) وإنهم لا يقعون تحت 'الاستلاب' الرأسمالي كما وصفه ماركس؟ في ظاهر الأمر نعم، إنهم خارج نطاق الاستلاب؛ لكنهم في العمق مستلبون. إنهم يظلون مفصولين عن المجال الاجتماعي الذي يندرج فيه عملهم، أي يظلون مفصولين فصلا عن 'العقل العام'، لأن هذا الأخير لا يعرض نفسه أو يتجلى إلا عبر وسيط هو الرأسمال المملوك ملكية خاصة".



كارل ماركس


*

From: Žižek, S “How to Begin From the Beginning” in The Idea of Communism. Costas Douzinas & Slavoj Žižek (editors). London: Verso 2010, p. 225