22‏/02‏/2013

كواين والسلوكية


يقول كواين (1990: 37-38):

"يمكن للمرء في علم النفس أن يكون سلوكيا ويمكن أن لا يكون؛ لكنه لا يملك بديلا آخر عن أن يكون سلوكيا في اللسانيات. فكل واحد منا تعلم لغته عن طريق ملاحظة السلوك اللغوي للناس الآخرين من حوله، وخضع حين تعثر أو مال عن جهة الاستقامة لمراقبة هؤلاء الناس الذين صححوا سلوكه الكلامي ورسخوه لديه. فتعلُّمنا يتوقف توقفا تاما على السلوك الصريح في أوضاع مكشوفة بادية للعيان".


كواين


Quine, W.V.O. (1990). Pursuit of Truth, (Revised  Edition 1992). Cambridge, Mass: Harvard University Press, p. 37-38.

18‏/02‏/2013

القصدية من ابن سينا إلى برينطانو




"لا تعني القصدية (Intentionality) القصد أو النية؛ بل تشير إلى ظاهرة عامة ترادف 'المعنى' أو 'الدلالة' عموما. والنقاش المعاصر الدائر حول القصدية يعود في أصله إلى فقرة شهيرة وردت في ثنايا الفصل المعنون بـ"الفرق (أو التمييز) بين الظواهر الذهنية والظواهر الفيزيائية (ص: 59- 77)" من كتاب فرانز برينطانو (1838ـ 1917) علم النفس منظورا إليه من الزاوية التجريبية. يقول برينطانو ( 1874: 68) في هذه الفقرة : "إن ما يميز الظاهرة النفسية مما عداها يتلخص في ما سماه علماء العصر الوسيط بالوجود القصدي الباطني (intentional inexistence) [السابقة 'in' لا تعني النفي هنا بل التضمن]، أو الذهني؛ وهو ما يمكن أن نشرحه نحن هنا… بالعلاقة بمحتوى معين أو بالاتجاه نحو موضوع معين (من دون أن نفهم من الموضوع واقعا موجودا) أو نحو موضوعية ماثلة. فكل الظواهر الذهنية تتضمن طيها موضوعا معينا، على الرغم من أن ذلك لا يكون دائما بالطريقة نفسها. ففي العرض يكون الشيء معروضا، وفي الحكم يكون الشيء مثبتا أو منفيا، وفي الحب يكون الشيء محبوبا، وفي الكراهة مكروها، وفي الرغبة مرغوبا فيه [أو عنه]. ويعد هذا الوجود القصدي سمة مميزة مقصورة على الظواهر الذهنية. فليس هناك ظاهرة فيزيائية تكشف عن شيء شبيه بهذا". هذا المعنى الذي أسنده برينطانو إلى القصدية (برينطانو في الحقيقة لم يستعمل 'القصدية' في صيغة الاسم، بل استعملها في صيغة الوصف. لم تُستعمل الكلمة في صيغة الاسم إلا لاحقا مع هوسيرل (انظر في هذا الشأن كتاب باتنم 'التمثيل والواقع' (1988: الهامش 1 على الفصل الأول، ص 127 )) هو معنى مستوحى من مفكري القرون الوسطى. ويذهب أغلب الباحثين إلى أن لهذا الأمر صلة بترجمة كتب ابن سينا إلى اللاتينية، حيث استقر رأي المترجمين على ترجمة كلمة 'معنى' العربية باللفظ 'intentio' اللاتيني (انظر ابن سينا الشفاء. المنطق (المدخل). تحقيق الأب قنواتي، محمود الخضيري، فؤاد الأهواني. مراجعة د. براهيم مدكور، تصدير د. طه حسين باشا. نشر وزارة المعارف العمومية. القاهرة 1952: 144، وانظر ضمنه أيضا الهامش 1: 125). لهذا السبب ألح برينطانو على أن استعماله للقصدية شديدُ الصلة بالاستعمال الذي كان شائعا في القرون الوسطى، لكي ينبه القارئ إلى تجنب الخلط بين هذا الاستعمال الذي يستفاد منه الدلالة على المعنى بصفة عامة والاستعمال المتداول للقصد الذي يراد به النية. القصدية عند برينطانو ظاهرة عامة تميز الحالات الذهنية من الحالات المادية أو الفيزيائية. بهذا المعنى تكون حالات الاعتقاد والرغبة والتمني والخشية والقصد (النية) والإدراك.. كلها حالات قصدية في اصطلاحه. الباحثون المعاصرون يرادفونها أحيانا بالدوران (aboutness)، لأن هذه الحالات تدور على موضوعات أو قضايا موجودة أو مقدرة في العالم، وهذا الدوران هو ما يميز هذه الحالات من الحالات المادية التي لا تدور على شيء آخر".

*الهامش (4) من مقالي ('فتجنشتاين ومؤولوه' سيصدر قريبا في كتاب جماعي ببرلين).