09‏/03‏/2012

سمير أمين: الولايات المتحدة والإسلاميون





يرى سمير أمين (2011: 18) أن الإخوان المسلميين ليسوا "معتدلين" إلا بمعنى مزدوج: لأنهم أولا يرفضون تقديم أي نوع من البرنامج الاقتصادي والاجتماعي، وهذا يعني أنهم يقبلون طوعا ودون أدنى مساءلة السياسات النيوليبرالية، ولأنهم ثانيا يقبلون عمليا المراقبة التي تفرضها الولايات المتحدة على المنطقة وعلى العالم. إنهم يمثلون من هذه الناحية حلفاء مفيدين للولايات المتحدة (وهل لهذه الأخيرة حليف آخر أقوى من السعودية راعيةِ الإسلاميين؟) يكشفون عن "مؤهلات وأوراق اعتماد ديمقراطية".

غير أن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تصرح بأن هدفها الاستراتيجي هو إقامة أنظمة "إسلامية" في المنطقة. إنها على العكس من ذلك تماما مدفوعة كرها إلى الادعاء بأنها "متخوفة مما يجري". وهذا الادعاء هو الذي من شأنه أن يُبقي على شرعية "حربها المتواصلة على الإرهاب" التي لا تروم الولايات المتحدة من ورائها في واقع الأمر إلا فرضَ هيمنتها وإحكام سيطرتها على الكوكب كله حتى تضمن للثلاثي أمريكا-أوروبا-اليابان الولوج الحصري إلى موارده. الفائدة الأخرى التي تجنيها الولايات المتحدة من هذا الموقف المنافق هي أنها تستطيع أن تعبئ وتذكي المظاهر المعادية للإسلام في الرأي العام الغربي.


Amin Samir “An Arab Springtime?”. Monthly Review An Independent Socialist Magazine, Oct 2011, Vol. 63 Issue 5, pp.8-28, p.18

08‏/03‏/2012

هيستيريا جماعية





حين عرض الأخوان لوميير (أوغيست، ولوي) شريطهما السينمائي وصول القطار إلى المحطة (محطة سيوطا) سنة 1895، كانت ردات فعل الجمهور (ثلاثة وثلاثون فردا) الذي حضر العرض مؤشرا دالا على القوة التي يتميز بها المرئي. ذُهل المتفرجون واستبد بهم الخوف حين شاهدوا الصور تتحرك مسرعة.. ارتعدوا وأمسك بعضهم ببعض خوفا من أن يندفع القطار من قلب الشاشة نحوهم ويدوسهم... كان من المستحيل عليهم أن يقتنعوا بأن القطار غير موجود. لقد شكلت هذه اللحظة في التاريخ الثقافي نقطة التحول الرئيسة في القدرات الإدراكية لجماهير الثقافة الشعبية. كانت هذه اللحظة إيذانا بدخولنا عصرا نستطيع فيه أن نحدث هيستيريا جماعية مقصودة عن طريق تقنيات التواصل.

عن الحقيقة والواقع



"هناك في الثراث اليهودي قصة مشهورة تتحدث عن أن أحد الأحبار روى لمريده حكاية رؤية أحد الأنبياء لله. وحين سأل المريد الحبر قائلا:

"هل هذه حقيقة؟ هل حصلت الرؤية بالفعل؟"،

أجابه: "يحتمل ألا تكون الرؤية قد حصلت بالفعل، لكنها مع ذلك حقيقة !".

الشيء نفسه يمكن أن يقال عن قتل الأب الأول وباقي الأساطير الفرويدية. إنها أساطير أكثر واقعية من الواقع، إنها حقيقية على الرغم من أنها لم يسبق لها أن حدثت في الواقع. طيفها الحاضر أبدا يمثل السند الذي يمنح التراث الرمزي لحمته وسداه".

From: Žižek, S (2000) The Fragile Absolute. London: Verso, pp. 64-65


ديريدا والخطيبي

يقول ديريدا موجها كلامه إلى عبد الكبير الخطيبي:

عزيزي عبد الكبير إنني كما ترى أعتبر نفسي هنا فرنسيا مغاربيا أكثر منك، بل إنني أرى في نفسي الفرنسي المغاربي الوحيد الموجود هنا. وإذا كنت مخطئا أو مبالغا أو متعجرفا فإنني على يقين من أن أحدا بإمكانه أن يكذبني. سأعمد إلى شرح ما أقصد أو سأجتهد في التماس ما أمكنني من المسوغات لما أدعيه. لننظر حولنا ولنعمد إلى التصنيف والتقسيم متوسلين بالمجموعات.

أ_ يوجد بيننا فرنسيون ناطقون بالفرنسية ليسوا مغاربيين، فرنسيون أقحاح ، إذا شئتم الاختصار، مواطنون فرنسيون جاؤوا من فرنسا.

ب – يوجد بيننا أيضا ناطقون بالفرنسية لا هم بالفرنسيين ولا هم بالمغاربيين. أقصد هنا السويسريين أو الكنديين أو البلجيكيين أو الأفارقة القادمين من بلدان وسط إفريقيا المختلفة.

ج ـ ويوجد بيننا أخيرا مغاربيون ناطقون بالفرنسية، ليسوا ولم يسبق لهم أن كانوا فرنسيين، أعني أنهم ليسوا مواطنين فرنسيين، كحالك أنت مثلا، أو حال المغاربة الآخرين أو التونسيين.

إذا ألا ترى أنني لا أنتمي إلى أي من هذه المجموعات التي أتيت على تحديدها بوضوح؟ 'هويتي' لا تندرج في أي صنف من هذه الأصناف. أين سأضع نفسي؟ وما التصنيف الذي ينبغي اصطناعه؟

افتراضي الذي أصدر عنه هو أنني هنا الوحيد الذي أستطيع أن أدعي في الوقت ذاته أنني مغاربي (وهذا لا صلة له بالمواطنة) ومواطن فرنسي. أنا الإثنان معا. أو أنا الإثنان بالولادة.


*-Jacques Derrida. Le monolinguisme de l'autre. Éditions Galilée, 1996.