26‏/11‏/2012

عن ما بعد الماركسية

صورة غلاف كتاب لاكلو وموفي


"إن لاكلو وموفي في كتابهما 'السيطرة والاستراتيجية الاشتراكية' لم يعملا في نظر كثير من الماركسيين إلا على إعادة صوغ التعددية الليبرالية في كلمات منمقة واصطلاحات جذابة استقياها من قاموس ما بعد الحداثة المزخرف. إنهما مالا في أطروحاتهما ميلا إلى النزعتين النسبية والمثالية. فهما، حسب هؤلاء، إما يعاديان الماركسية عن سبق إصرار، وإما يخلطان خلطا فاضحا بين الأمور.. ! لقد أعرضا عن الواقع المادي الصُّلب وتخليا عنه واستسلما بكيفية مثالية وإشكالية لمُغريات اللغة وأفاعيل الخطاب. وعلى الرغم من أن الباحثين الليبراليين والناشطين غير الماركسيين أشادوا بالكتاب وبأهميته فيما يتصل برصد الحركات الاجتماعية الجديدة، وتحليل سياسات الهوية والتعدد الثقافي، فإن هناك إجماعا بينهم وبين الماركسيين على أن الطريق الذي يمضي من الماركسية إلى ما بعد الماركسية هو الطريق الذي يمضي من الاقتصاد إلى الخطاب، أو من الواقع (المُتصوَّر من خارج اللغة) إلى اللغة".

من مقالي 'ما بعد الماركسية' (شارفت على إنهائه) الذي سيصدر في كتاب جماعي بلبنان بإشراف الصديق الدكتور علي عبود المحمداوي.

11‏/11‏/2012

واقع السياسة.. تحدي المستحيل



كل محاوري سقراط في (الجمهورية) كانوا يبحثون عن حجج تثني سقراط عن الاستمرار في الاعتقاد بأن المدينة المثالية الأسطورية التي يحملها في ذهنه بإمكانها أن تتحقق. بيد أن سقراط كان يصد في أجوبته على اختلافها حُججَهم انطلاقا من فكرة تقول إننا إذا كنا ننظر إلى السياسة بوصفها فكرة – وهو ما تهتم به الفلسفة على وجه التحديد- فإن الإمكان الموضوعي (أي تحقق المدينة في الواقع) لن يكون معيارا يتعين على النقاش السياسي أن يخضع له. وهذا لا يعني أننا نتحدث هنا مع سقراط عن يوطوبيا. السياسة الموصوفة، أي فكرة المدينة الأسطورية، لها عند سقراط واقع، واقع تجسده استحالتُها ذاتُها. الواقع المتحدث عنه ههنا هو واقع سعي الذات الحثيث إلى تحدي المستحيل. وهذا – لعمري- ليس بالشيء الهين بالنسبة إلى العالَم، إنه يشير إلى المستطاع الذي يمكن فعله، حتى لو كان هذا المستطاع واقعا تحت طائلة قانون الاستحالة الواقعي..

(بتصرف طفيف عن باديو)


Alain Badiou. Conditions. Paris: Seuil. 1992, p. 220- 221
 

09‏/11‏/2012

عن الهوية والصراع



إن بناء الهويات أو إنشاءَها يستلزم إحداث فروق؛ فروقٍ غالبا ما يقع الاستناد فيها إلى تراتبية واقعية أو متخيلة تُميز وتُفاضل على سبيل المثال بين الصورة والمادة، بين الأبيض والأسود، بين الرجل والمرأة، بين النحن والهم..الخ. وعندما نهتدي إلى فهم الهوية أيا كان نوعها أو مجال انطباقها من حيث إنها شأن علاقي في المقام الرئيس، ونهتدي أيضا إلى أن إثبات الفروق والاختلافات هو الشرط المسبق لوجود كل هوية واستوائِها، فإننا نستطيع حينئذ أن نفهم دون عناء يذكر كيف أمكن للعلاقات الاجتماعية خاصةً أن تصبح مرتعا ملائما للمنازعة والصراع...

لوحة للفنان داروين ليون

06‏/11‏/2012

شعيرة فعل الكلام


"تفعل أفعال الكلام الإنجازية ما تقوله في لحظة النطق بها. فهي لا تعد أفعالا عُرفية فحسب، بل تعد أفعالا 'طقسية أو شعائرية' أيضا كما عبر عن ذلك أوستين (Austin). إنها تفعل فعلها بمقتضى الصورة الطقسية أو الشعائرية التي تكتسيها. تَكرارها في الزمان يجعلها تحتفظ لنفسها بفسحة عمل لا تقتصر على لحظة النطق بها ذاتها. فعل الكلام الإنجازي يفعل فعله إذن في لحظة النطق به؛ لكن بما أن لحظة النطق به هذه تندرج ضمن طقس، فإنها لا تكون لهذا السبب لحظةً غُفلاً معزولة أو متفردة. اللحظة حين تكون مدرجة في طقس أو جزءا من شعيرة تكون عبارة عن تاريخية مكثفة (condensed historicity). إنها تتخطى نفسها في اتجاهيْ الماضي والمستقبل، وأثر استدعاء السابق والآتي هو الذي يشكل لحظة النطق ويفلت منها في الآن ذاته".



Judith Butler (1997) Excitable Speech: A Politics of the Performative. New York: Routledge, p. 3.