21‏/12‏/2008

غاستون باشلار وثوماس كُونْ


*_ هذا النص جزء من بحث طويل
ثوماس كُونْ


إن من يقرأ كتاب ثوماس كُونْ بنية الثورات العلمية يفاجأ بتأثر كون الكبير بالفكر الفرنسي. ففي مقدمة الكتاب أعلن كونْ صراحة تأثره الشديد بألكسندر كويري، وبإميل مايرسون، وبهلين ميتزجير (ص:-v vi، والهامش 1 بالصفحة vi). لكن بعض القراء يستغربون أيضا كيف حصل أن ظل كون بعيدا عن التأثر بغاستون باشلار الذي يبدو في نظر كثير منهم أقرب إلى كون من غيره. فهل كان كون في أثناء الإعداد لكتابه بنية الثورات العلمية قد اطلع على أفكار باشلار وأعرض عن ذكرها في الهامش إياه؟ أم أن تلك الأفكار لم تصله إلا في مرحلة لاحقة على نشر كتاب البنية؟ أم أن الصلة بين فكريهما واهية على الرغم مما بينهما من تشابه؟
الواقع أن الفحص عن الصلة القائمة بين باشلار وكون تُدخل المرء في باب من الكلفة شاق، ليس في قراءة النصوص وفهمها فحسب، بل في الكشف عن التصنيفات التي تحيل عليها تلك النصوص أيضا. وهذه التصنيفات كما يعرف الدارسون تقترن بتقليديْن في فهم فلسفة العلم وتاريخه مختلفين أشد ما يكون الاختلاف هما التقليد القاري (نسبة إلى قارة أوروبا، والمقصود هنا فرنسا وألمانيا) والتقليد التحليلي (الأنجلو أميريكي). فالتقليدان ظلا طويلا منغلقين على بعضهما، وتحديدا منذ كانط. التقليد التحليلي مثلا لم يعط هيغل الذي أعقب كانط الأهميةَ الكبرى التي أعطاه إياها التقليد القاري. بل إن هناك من يربط الفرق بين التقليدين بهذه النقطة تحديدا (رورتي على سبيل المثال): التقليد القاري قرأ هيغل وحمله على محل الجد، في حين أن التقليد التحليلي أعرض عنه ونسيه (حالة برتراند راسل الذي أمضى فترة من شبابه هيغيليا)... وعلى الرغم من أن الميل الوضعي الذي سيطر على التقليد التحليلي كان في الأصل قاريا (فرنسا تحديدا: أوغيست كونت)، سنلاحظ أن هذا الميل سيتعمق في اتجاهات غير مسبوقة وغير متوقعة بسبب ما عُرف بالتحول أو الانعطاف اللغوي الذي أضفى على النزعة الوضعية التي مال إليها التقليد التحليلي طابعا خاصا يصعب ربطه أو رده آليا إلى وضعية أوغيست كونت القارية.
يمكن للمرء إذاً أن يعتمد الفروق القائمة بين التقليدين ويمنحها تأويلا قويا، ويعفي نفسه من الخوض فيما إذا كان كون قد تأثر بباشلار أم لم يتأثر؛ لأن التقليدين كما ألمعنا مكتفيان، كل بذاته، ولا حاجة إلى الخوض في مشروع يروم ربط صلات واهية بين السرديات التي أُنتجت في كل واحد منهما: سواء أكانت هذه السرديات قد تناولت العلم أم تناولت باقي أصناف المعارف الأخرى. وإذا كان هناك من أشياء يشترك فيها التقليدان، فإن هذه الأشياء ترتد إلى الحقبة التي سبقت بروز التقليدين واستواءهما (كانط ومن قبله، إذا سلمنا بالتوصيف الذي عرضه رورتي وقبلناه)... لكن، قبل النظر فيما إذا كان هذا التأويل القوي للفروق مُنتِجا ومُطمْئِنا لا مناص من التعريج على ما تشير إليه المرويات التي تعرضت للقاء الشخصي بين كون وباشلار.

غاستون باشلار

تذكر هذه المرويات أن كون حين جمع الخواطر، وعقد العزم على كتابة بنية الثورات العلمية في نهاية الأربعينات من القرن العشرين، أرسله المفكر الفرنسي، مؤرخُ عِلميْ الفيزياء والفلك، ألكسندر كويري الذي كان يُدرِّس في الولايات المتحدة إلى فرنسا للقاء باشلار قصد الاطلاع على الأصول الفلسفية للإشكالات في سياق الفكر القاري، وحَمَّله رسالةَ تزكية إلى باشلار تُسهل اللقاء المرتقب، وترفع من طريقه العقبات... لكن شاءت الأقدار ألا يكون اللقاء مثمرا. وكان للغة الحديث دور في رفع السلاسة عن اللقاء. فبينما كان كُون الذي لا يتقن الفرنسية يفضل الحديث إلى باشلار باللغة الإنجليزية، أَصرَّ باشلار بنوع من العجرفة، كما لمّح إلى ذلك كُونْ، على الحديث بالفرنسية... كان اللقاء خاطفا في مستقر باشلار بزنقة سانت جينوفييف بباريس، ولم يترتب عليه ما يتبعه. لم يكن كُونْ يعرف عن فكر باشلار سوى مِزَقٍ وتفاريق، (كان قد قرأ كتاب فلسفة النفي الذي صدر سنة 1940)، بدا له منها أن الرجل يصدر عن مقولات منهحية (methodological categories) صارمة لم يفهم كون مغازيَها، لنقص فيه أو فيها كما قال، ولا تتلاءم مع المشروع الذي كان قد عقد العزم على إنجازه (ورد وصف هذا اللقاء في حوار مع كون (Kuhn,1997,p.169)).
في الواقع، كان كُونْ يجهل تماما التحولات التي طرأت على فكر باشلار في الوقت الذي زاره فيه... فباشلار، كما ذهبت إلى ذلك كاستلاو لوليس (2004: 874)، أصبح منذ سنة 1942، أي السنة التي نشر فيها كتابه الماء والأحلام، يولي اهتماما كبيرا لقضايا الخيال والإبداع، وللدور التحريري الذي تلعبه الصور والخيالات... وحين عاد إلى الكتابة في قضايا إبستيمولوجيا العلم في كتب مثل: العقلانية المطبَّقَة (1949)، ونشاط الفيزياء المعاصرة العقلاني (1951)، والمادية العقلانية (1953) )، كان قد عاد متأثرا بأعماله التخييلية تلك؛ بل إننا نستطيع أن نقول إن منهجيته بدورها عرفت بعد هذه العودة تحولا كبيرا... إنها أخذت تبتعد عن التأويل التاريخي وعن التأويل المعتمد في التحليل النفسي، وأصبحت تميل ميلا شديدا إلى المقاربة الفينومنولوجية والسريالية للموضوعات وللممارسات العلمية عموما... بعد عودته هذه إلى دراسات العلم نلفيه يرجع مرة أخرى وأخيرة إلى أعمال تتصل بالخيال والشعرية والأحلام كما هو واضح في: شعرية الفضاء (1957)، وشعرية الحلم (1960)، وشعلة القنديل (1961). فالإبستيمولوجيا التي أنتجها باشلار بين المرحلتين، أي في الفترة التي زاره فيها ثوماس كُونْ تحديدا، لم تكن تتضمن، حسب لوليس، المقولات الصارمة التي أبدى كُون تحفظه الشديد إزاءها... ففي هذه الفترة كان باشلار قد شرع في النظر إلى الدعاوى العلمية من منظور اجتماعي... وبدأ يلتفت إلى أهمية البلاغة في الاستدلالات العلمية. فهذه هي الأمور التي كان من المفروض أن يَتعرَّفها كون من نقاشه مع باشلار...
يستفاد مما سبق أن كون على الرغم من كونه نحا في كتابه نحوا يقترب في بعض وجوهه من طريقة باشلار في رصد علاقة السابق باللاحق في العلم، لم يكن ذلك ناتجا عن تأثر مباشر بأفكار باشلار. ربما تأثر كون بالمزاج العام الذي كان سائدا في أوساط الأجيال الجديدة التي تربت على تعاليم الوضعية المنطقية في نطاق التقليد التحليلي، وضاقت ذرعا بتلك التعاليم، وسعت إلى الإفلات منها في اتجاه ما سيعرف بما بعد الوضعية. ونستطيع هنا، إذا أحببنا، أن نستعين بالتأويل الذي عرضه فولر في كتابه الشهير عن كون المعنون بـ ثوماس كون: التاريخ الفلسفي لأزمنتنا (2000)، وفي مقالاته الأخرى أيضا التي شبه فيها كون بالسيد تشانس، البريء والموغل في السذاجة، في الفيلم الشهير (Being there) الذي أخرجه هال آشبي سنة 1979. السيد تشانس (أدى دوره: الممثل بيتر سيليرس) لا يعرف عن العالم إلا ما يراه على شاشة التلفزيون، ولا صلة له بالأشياء إلا من خلال البستنة التي كان يمارسها بمهارة فائقة في حديقة بيته الذي لم يغادره إلا في سن متقدمة. وحين غادر البيت، بمظلته وحقيبته، وجد نفسه في أجواء الحملة الانتخابية لرئاسة الولايات المتحدة يصرح للإعلاميين بآراء حول البستنة وهم يفهمونها على جهة الاستعارة ويعطونها معاني سياسية عميقة جدا لم يقصدها البتة السيد تشانس ولم يسبق لها أن جالت بخاطره... تشبيه فولر لكُونْ بالسيد تشانس مبالغ فيه على الأرجح؛ لأن كون لا يقول أشياء بسيطة ساذجة أو بريئة؛ لكن علاقة كون بدارسيه تشبه من بعض الوجوه علاقة السيد تشانس البريء بمستجوبيه: إفراط في التأويل (over-interpretation) في الحالتين معا. فقسم لا يستهان به من الأفكار التي وردت في كتاب كون سبقه إليها آخرون في التقليد التحليلي نفسه، كستيفن تولمين مثلا، لكن كتاباتهم لم تبلغ في الشهرة مبلغ كتاب كون لأسباب يطول ذكرها تعرض لها فولر بإسهاب في أبحاثه التي أومأنا إليها ترتبط بعوامل سوسيولوجيا انتشار المعارف والأفكار.
إن ميول كُونْ للإفلات من القيود الوضعية في اتجاه ما أصبح يعرف بما بعد الوضعية يمكن الاستدلال عليه بالتأثير الكبير الذي مارسه عليه كواين. فليس من باب المصادفة البتة أن يشدد كُون في متن مقدمة البنية (ص.vi ) على أنه تأثر تأثرا بالغا بالنقد الذي وجهه كواين لإحدى العقيدتين الراسختين اللتين قامت عليهما الوضعية في مقاله ذائع الصيت "عقيدتا المذهب التجريبي" (1951): أقصد العقيدة التي تقضي بالتمييز بين الأقوال التحليلية والأقوال التركيبية والألغاز الفلسفية المحيطة بها التي كشف عنها كواين في نقده لها. هذه العقيدة وشقيقتها القائلة إن أقوالنا تواجه اختبار التجربة قولاً قولاً شكلتا أساس الفكر الوضعي. والنقد الذي صوبه كواين نحو العقيدتين في المقال المشار إليه فتح الباب واسعا أمام جيل بأكمله، وعلى رأسه كون، للخروج من الضيق الذي مارسه الفكر الوضعي في البلدان الناطقة بالإنجليزية.

أعتقد أن قراءة كون في سياق تقليده التحليلي، وفي ضوء تصريحاته بمرجعياته التي ذكرها هو نفسه، تعفينا من التكلف والبحث عبثا فيما كان بإمكان باشلار أن يضيفه إليه لو أن اللقاء الشخصي الذي جرى بينهما كان سلسا. فالإطار التحليلي، بما تضمنه من إشكالات، يكفي بمفرده في نظري لتفسير نجاحات كون وإخفاقاته على حد سواء... وأزعُم أن البحث في العلاقة القائمة بين التقليديْن القاري والتحليلي لم يصبح أكثر وضوحا وخصوبة إلا في السنوات اللاحقة على نشر كون لـ بنية الثورات العلمية، أي حين بدأنا نشهد حوارا صريحا ومباشرا بين الفلاسفة التحليليين وزملائهم القاريين (باتنم وهابرماس، سورل وديريدا، هابرماس و رولز...الخ)، بل حين بدأنا نشهد اهتماما لافتا غير معهود لدى الفلاسفة التحليليين بوجه قاري بارز كهيغل بعد نسيانه أو تناسيه، كما هو واضح في أعمال روبير براندوم (R.Brandom) الأخيرة مثلا، أو في أعمال أستاذه رورتي قبله الذي يجاور في تحليلاته بين مفكرين من التقليديْن بطريقة غير معهودة (ديفدسن هايدغر كواين ديريدا ديوي..الخ)، أو بالعودة من باب الذكاء الاصطناعي إلى النهل من أفكار هايدغر، لنقد الأطروحات الرائجة في هذا المبحث كما هو الشأن عند هيوبير دريفوس مثلا، أو من أجل استلهام تلك الأفكار لصقل تلك الأطروحات وتحصين النماذج المترتبة عليها وتهذيبها كما هو الشأن لدى آخرين مثل وينوغراد (T.Winograd) وغيره.
مراجع
Bachelard, G (1972) l’engagement rationaliste. Presses Universitaires de France (PUF).
Castelao-Lawless, T (2004) “Kuhn’s missed opportunity and the multifaceted lives of Bachelard: mythical, institutional, historical, philosophical, literary, scientific”. Studies in History and Philosophy of Sciences. 35. 873-881.
Fuller, S (1992) “Being There with Thomas Kuhn: A parable for Postmodern Times”. History and Theory, Vol. 31, No.3, 242-275.
Kuhn, S. T (1962) The Structure Of Scientific Revolutions. (Second Edition, Enlarged 1970). The University of Chicago.
Kuhn, T (1997). “A discussion with Thomas S. Kuhn, a physicist who became a historian for philosophical purposes: A discussion between Thomas S. Kuhn and Aristides Baltas, Kostas Gavroglu, Vasso Kindi”. Neusis, 6, 145–200
Quine, W. V (1951) “Main Trends in Recent Philosophy: Tow Dogmas of Empiricism”. The Philosophical Review, Vol. 60, No.1, 20-43.

03‏/09‏/2008

دولوز والبراءة

جيل دولوز




قال فوكو عن دولوز: "ربما سَيُنظَر، في يوم من الأيام، إلى هذا القرن على أنه قرن موسوم بميسم دولوز".

وحين طُلب من دولوز أن يدلي برأيه في ما قاله عنه فوكو أجاب: "ربما قصد فوكو بكلامه أنني الفيلسوف الأكثر سذاجة من بين أبناء جيلي. فأنت تجد عندنا جميعا كلاما عن قضايا مثل التعدد والاختلاف والتكرار... غير أنني في أعمالي غالبا ما أقدم عن هذه القضايا تصورات غضة طرية، على عكس ما قد تجده في أعمال الآخرين التي تتناول القضايا نفسها بأساليب أكثر توسيطا. ما قصده فوكو ربما هو أنني لست أفضل من الآخرين، بل أكثرهم سذاجة، أي أنني أنتج نوعا من الفن الخام إذا شئتَ، أو أنني لست الأكثر عمقا بل الأكثر براءة (أي أنني أقلهم إحساسا بالذنب وأنا أمارس الفلسفة)" (88_ 89 : 1995).

وكان ديريدا نفسه قد أومأ في كلمته التأبينية إلى "براءة" دولوز الفلسفية حين كتب يقول: "أجل، لقد أحببنا معا الفلسفة، من يستطيع أن ينكر علينا هذا؟ غير أن دولوز ـ تماما كما قال هو نفسه ـ كان الوحيد من بين أبناء جيله كلهم الذي مارس الفلسفة بمرح أكثر وببراءة أقوى". (2001: 193).



Deleuze, Gilles. (1995). Negotiations. Trans. Martin Joughin. New York: Columbia University Press.
Derrida, Jacques. (200l). “ I'm Going to Have to Wander All Alone”. Trans. Leonard Lawlor. In The Work of Mourning. Trans, and eds. Pascale-Anne Brault and Michael Naas. Chicago: University of Chicago Press. 192-5.

11‏/08‏/2008

بيت الشعر في المغرب ينعي رحيل الشاعر محمود درويش

الراحل محمود درويش




ينعي بيت الشعر في المغرب رحيل الشاعر الكبير محمود درويش، ويعرب عن عميق الألم الذي خلفه هذا الرحيل، لا في نفوس محبيه وأصدقائه وقرائه وحسب، وإنما في روح الشعر ذاته، إذ يحق اليوم للشعر أن يكون في حداد بعد فقدان أحد الساهرين على أسراره و رؤاه.
نذر الشاعر الراحل محمود درويش حياته بكاملها لنبل الكلمة، ولإيقاعها المتوغل في قديم الثقافات والأساطير استشرافا لحلم الإنسانية في التعايش والتسامح والمحبة ، وعيا منه بما يختزنه الشعر من طاقة على التغيير انطلاقا من مواقع خبيئة وباطنية. ففي مسار كتابي يمتد أكثر من نصف قرن ظل الشاعر محمود درويش وفيا لما يتطلبه الشعر من نفاذ إلى أقاصي الكلام وأعاليه، التي هي، في آن، أقاصي الإنسان. كما ظل وفيا لما يتطلبه هذا النفاذ من معرفة وجرأة وشجاعة.و لم يكن الجمالي فيما كتبه إلا الوجه الأسمى للإنساني. في شعره شهد التحديث مسلكا خاصا هو عينه ما ميز رؤية محمود درويش للإبداع والذات والآخر والوجود. تحديث يصل ارتقاء اللغة إلى الأعالي بحق الإنسان في الحب والحلم وبحريته في مكان يسعد بالتعايش والسلم. وفي هذا التحديث، كانت العربية، التي بها شيد درويش عوالمه الإبداعية، تنتسب إلى زمنها وتنتسب إلى ثقافة الحوار و استضافة الأخر.
عبر القضية الفلسطينية التي توغل شعر درويش بمعانيها بعيدا، كان هذا الشعر ينفذ إلى الإنساني والكوني.وفي هذا النفاذ نزل الشاعر عميقا إلى معنى الحياة كما إلى معنى الموت، وتقوى هذا النزول بانفتاح قلب درويش على بياض الموت و ملامسته عن قرب. ملامسة خص تجربتها بجدارية كتبها لنفسه شعرا بعد عودته من إقامة برزخية بين الحياة والموت. وبعد الجدارية عاد الموت بقوة في العمل الموسوم في حضرة الغياب فالألفة التي أقامها درويش بين الشعر والموت هي ما يقهر الغياب ويجعله حضرة، أي حضورا متجذرا. لذلك ستظل قصائده شاهدة لا على الممانعة والمقاومة جماليا وإنما على الحلم أيضا بقهر الموت. لكم كانت فرحة شاعرنا الفقيد كبيرة لما أخبره بيت الشعر في المغرب نهاية شهر مايو الماضي بفوزه بجائزة الأركانة العالمية للشعر في دورتها الثالثة، ولم يتردد في تأكيد حضوره لتسلمها يوم الجمعة 24 أكتوبر 2008.غير أن للموت موعده الخاص. برحيل الشاعر محمود درويش، يفقد الشعر أحد حماته ويفقد الشعراء المغاربة، والأدباء، صديقا كبيرا، أنصت لنبض الثقافة المغربية، وظل وفيا لندائها في اللقاءات الحميمة التي جمعته بجمهوره المغربي. نداء لن ينقطع بالموت، وإنما سيتجدد بالسفر في الشعاب التي حفرها شعره للكلمة والمعنى والذات.
بيت الشعر في المغرب
9غشت 2008

27‏/07‏/2008

*التعدد الثقافي ومطالب العدالة

لوحة للصديق الفنان محمد شبعة


لم تكن الهوية الثقافية والإثنية في لحظات تاريخية سابقة قضية ذات شأن. بعبارة أوضح لم تكن مروحة الهويات شأنا مفتوحا أمام الفرد أو أمام المجموعة حتى تختار هويتها أو تتبناها، بل كانت قضية محسومة في إطار الدولة الوطنية، أو ملفا مطويا من ملفات هذه الدولة لا يمكن فتحه أو المغامرة بالخوض فيه. في وقتنا الحاضر أصبح لمفهوم الهوية ثقل كبير في إضفاء المعنى على وجود الأفراد والمجموعات على حد سواء. فقد أضحت الهوية تمثل شيئا لكل واحد تقريبا الحق فيه. كيف وقع هذا التحول؟ ما هي انعكاساته بخصوص مطالب العدالة الاجتماعية؟ وكيف ينبغي لنا التعامل معه؟ سأحاول في هذا المداخلة الجواب باقتضاب شديد عن هذه الأسئلة.

ـ1ـ

كان الباحثون والسياسيون ينظرون إلى التعدد الثقافي في المجتمع بعين الريبة والحذر، ويرون فيه تهديدا صريحا للاستقرار السياسي يستدعي، على جهة الاستعجال، سَنَّ سياساتٍ ثقافية عمومية تحد من شيوعه وتفشيه، وتحول دون تشجيعه وتكريسه. وهكذا عمدت الدول إلى إخضاع المهاجرين، والأقليات القومية، والسكان الأصليين، لسياسات ترمي إلى إدماجهم في النسيج العام للمجتمع، في أحسن الأحوال، أو تهميشهم.
بيد أننا سنشهد في العقود الأخيرة تحولا دراماتيكيا في تصور التعدد الثقافي، خصوصا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، ودول أوروبا الشرقية، وتعاظم دور العولمة. فقد أصبحت الهويات أمرا يطالب به ويعطى في سياق علاقات السلطة؛ أي أمرا يخاض من أجله الصراع، ويسيل من أجله الدم، حتى يلبى ويُنتزع الاعتراف به. وأدى هذا التحول ببلدان كثيرة إلى التخلي، طوعا أو كرها، عن سياساتها التقليدية والشروع في النظر إلى التعدد الثقافي من منظور أكثر انفتاحا واعتدالا. وقد انعكس هذا التحول الدراماتيكي وأصبح يتجلى فيما أضحى يُعرف بسياسات التعدد الثقافي. وهي سياسات تبنتها بعض الدول لمعالجة قضية المهاجرين، وتبنتها دول أخرى في سياق اعترافها بالحقوق اللغوية والقومية للسكان الأصليين والأقليات، وعمدت إليها دول أخرى لسن تشريعات تتصل بالجهويات الموسعة وسياسات الحكم الذاتي لاحتواء المنشقين عنها والمتمردين عليها.
سياسات التعدد الثقافي تعني باختصار تلكم السياسات التي يتخطى مضمونها الحفاظَ على الحقوق المدنية والسياسية لمجموع أفراد المجتمع، ليشمل أيضا الاعتراف العمومي بالأقليات الثقافية ودعمها في الحفاظ على مكونات هوياتها وممارساتها التعبيرية.

ـ2ـ

إن المطالبة بالعدالة الاجتماعية أصبحت إثر هذه التحولات تتخذ بالتدريج صورتين متباينتين: صورة تقليدية، ومتعارف عليها، تندرج ضمن ما يمكن أن نسميه بإعادة التوزيع. وهي الصورة التي تكون فيها المطالب متصلة بالمساواة الاقتصادية والتوزيع العادل للثروات. وصورة ثانية، ارتبطت بسياسات التعدد الثقافي، تندرج ضمن ما يمكن أن نسميه بالاعتراف. وهي الصورة التي تكون فيها المطالب متجهة إلى خلق عالم تتعايش فيه الفروق والاختلافات، ويسوده الاعتراف بهذه الفروق والاختلافات. إطار إعادة التوزيع يمكن أن ندرج فيه إعادة التوزيع من الشمال إلى الجنوب، من الأغنياء إلى الفقراء، من أرباب العمل إلى العمال...الخ. أما إطار الاعتراف فيمكن أن ندرج فيه الاعتراف بالمنظورات الأخلاقية المختلفة، أو القومية المختلفة، أو الدينية المختلفة، أو النوعية المختلفة...الخ. وإذا كانت مطالب إعادة التوزيع التقليدية شديدةَ الصلة بالاقتصاد، فإن مطالب الاعتراف الجديدة تقترن في الغالب الأعم بالثقافة.
المدافعون عن إعادة التوزيع العادل (وأغلبهم ينتمون إلى اليسار بأطيافه المختلفة) ينظرون بحذر شديد إلى سياسات الهوية والتعدد الثقافي (سياسات الاعتراف)، بل إن كثيرا منهم يرفض هذه السياسات بالمرة. أما المدافعون عن الاعتراف، وهم المؤيدون بروح العصر والأكثر نشاطا وبروزا اليوم، فيترددون في أن يجعلوا من قضيتهم قضية مشتركة مع أولئك الذين لا يزالون ملتزمين بسياسات إعادة التوزيع، المبنية كلا أو جزءا على فكرة الصراع الطبقي. والنتيجة المترتبة على هذا الخلاف هي اتساع الهوة بين سياسات الاعتراف الطامحة إلى الإعلاء من شأن الاختلاف الثقافي، وبين سياسات إعادة التوزيع الرامية إلى تحقيق المساواة الاقتصادية. في بعض الأحيان تتخذ الهوة شكل الاستقطاب الحاد؛ بحيث إن بعض المدافعين عن إعادة التوزيع يذهبون، كما أشرنا أعلاه، إلى رفض سياسات الاعتراف، جملة وتفصيلا، بوصفها وعيا شقيا وغطاء يصد عن المطالبة بالعدالة الاجتماعية. والشيء نفسه نجده لدى بعض المدافعين عن سياسات الاعتراف حين يذهبون إلى أن سياسات إعادة التوزيع ما زالت مشدودة إلى أطروحات اليسار التقليدي الذي لم يسقط في الاتحاد السوفياتي وأوربا الشرقية إلا لكونه غض الطرف عن كثير من مظاهر اللاعدالة، بل تواطأ عمدا لتكريسها. وأمام هذا النقاش حاد الاستقطاب نجد أنفسنا أمام اختيارين لا ثالث لهما: إما إعادة التوزيع وإما الاعتراف، إما السياسات المبنية على التحليل الطبقي وإما السياسات المبنية على الهوية، إما الاشتراكية الديمقراطية وإما التعدد الثقافي.
هذا الاستقطاب نلاحظه بكيفية جلية في المغرب. فالأحزاب المغربية (وخصوصا الأحزاب المحسوبة على اليسار) على الرغم من اعترافها بمشروعية المطالب التي ترفعها الحركة الأمازيغية، ترى أن هذه المطالب تتعدى في كثير من الأحيان الإطار الثقافي (اللغة، الثقافة) لتتحول إلى مطالب سياسية جذرية تهدد بتفكيك المجتمع وتمزيقه. موقف الدولة المغربية في هذا السياق لا يختلف عن موقف الأحزاب، ينصت إلى الإيقاع الذي تتطور به مطالب الحركة الأمازيغية من الإطار الثقافي (الجيل الأول) إلى الإطار السياسي (الجيل الثاني)، ويحاول تسييج هذه المطالب لتظل حتى إشعار آخر في إطارها الثقافي. غير أن هناك سمة رئيسة أخذت تتسلل إلى الحركة الأمازيغية المغربية وتغزوها هي التطرف ورفع الشعارات الصادمة المتصهينة والمضادة للعروبة. وهذه السمة من شأنها، في نظر بعض المراقبين، أن تقلل من أهمية الحركة سياسيا على المدى المتوسط والبعيد. لكن هذا كله لا يعفي المثقفين والسياسيين المغاربة من البحث عن صيغة تؤلف بين مطالب إعادة التوزيع ومطالب الاعتراف. فالنمطان من المطالب مشروعان. والتأليف بينهما من شأنه أن يحقق للمغاربة مطلب العدالة الاجتماعية ومطلب مصالحة المغرب مع ثقافاته، دون خسائر تذكر. غير أن هذا التأليف يجب أن يصدر عن وعي عميق بمستلزمات سياسات إعادة التوزيع وسياسات الاعتراف. وسأعرض فيما يلي لثلاث نقط رئيسة يتعين استحضارها في مشروع التأليف بين النمطين من المطالب. الأولى تتصل بأحزاب اليسار، والثانية والثالثة تتصلان بحركات التعدد الثقافي.

ـ3ـ

1) يتعين على أحزاب اليسار أن تُطور فهمها لمشروعية مطالب الاعتراف والتعدد الثقافي. بعبارة أوضح ينبغي لهذه الأحزاب أن توسع فهمها للعدالة الاجتماعية على نحو يجعل المطالبة بهذه العدالة تتضمن طيها المطالبة بالاعتراف جنبا إلى جنب مع المطالبة بإعادة التوزيع. فالحيف الذي تتصدى له مطالب الاعتراف هو حيف يعيشه المطالبون برفعه بوصفه انعداما للعدالة. وضمن هذا الفهم لا يعود بإمكاننا تأويل مطالب الاعتراف بوصفها مطالب تعبر عن وعي زائف بحقيقة الصراع كما دأب اليسار على وصفها، بل تصبح وعيا أكثر عمقا بإحدى جبهات الصراع التي طالما تغاضى عنها اليسار في سعيه لتحقيق العدالة. فعلى اليسار إذاً أن يصوغ فهما للعدالة أكثر تركيبا وتعقيدا من الفهم التقليدي الذي مازال يصدر عنه.
2) يتعين على مشايعي سياسات الاعتراف أن يدركوا أن هذه السياسات في صيغها الجذرية تتناقض جوهريا مع مبادئ الديمقراطية الليبرالية. فهي سياسات تضرب، إذا نحن تأملناها مليا، مبدأ الحرية الفردية في الصميم؛ لأنها تفضل حقوق المجموعة (أمازيغ، عرب، أندلسيون، أفارقة...الخ) على حقوق الأفراد؛ كما أنها سياسات تطعن أيضا في مبدأ المساواة، لأنها تضع فروقا بين أفراد الشعب على أساس العرق أو الإثنية.
3) إن سياسات الاعتراف في أبعادها الجذرية تؤثر كذلك سلبا في مطالب إعادة التوزيع؛ لأنها تؤدي إلى تآكل الثقة وإضعاف التضامن بين المواطنين. تآكل الثقة وتدني التضامن يأتيان من كون هذه السياسات تركز على الفروق والاختلافات القائمة بين المواطنين. وهذا من شأنه أن يعرقل الانخراط الجماعي في مساندة المطالب المتجهة إلى إعادة التوزيع وتحقيق العدالة. فإذا كان المواطنون يساندون المطالب الوطنية العامة (الديمقراطية، والحرية، والعدالة الاجتماعية...الخ) ويتضامنون مع المواطنين المتضررين من مسارات التغيير التي تقود إلى تحقيق هذه المطالب، فإنهم لا يفعلون ذلك إلا لكونهم يرون في هؤلاء المتضررين أعضاء مثلهم في المجموعة نفسها، أي مواطنين يتقاسمون معهم الهوية نفسها. ما تفعله سياسات الاعتراف والتعدد الثقافي في أبعادها الجذرية هو أنها تتصدى بالتحديد لهذه الهوية وتشكك فيها أو تقوضها. بعبارة أوضح، إن سياسات الاعتراف كما وصفناها تقول للمواطنين: إن ما يقسمكم إلى مجموعات إثنوثقافية منفصلة عن بعضها أهم بكثير مما تشتركون فيه، وإن المواطنين الذين ينتمون إلى المجموعات الأخرى ليسوا في الحقيقة أعضاء من مجموعتكم. وواضح أن الوضع المجتمعي الذي تعيش فيه المجموعات في أكوان متوازية لا يكون وضعا ملائما للتفاهم المتبادل أو لتنمية عادات التعاون وأحاسيس الثقة للدفاع عن مطالب عامة ومشتركة.
فالتأليف بين مطالب إعادة التوزيع ومطالب الاعتراف ضمن مشروع متكامل يحظى بالتأييد والدعم ملزم بالبت في النقط الثلاث التي ألمعنا إليها هاهنا باختصار.
بعض المراجع التي عدنا إليها:

Banting, K & Kymlicka,W (2006) Multiculturalism and The Welfare State: Recognition and redistribution in contemporary democracies. Oxford University Press.
Fraser, N (1995) “From Redistribution to Recognition? Dilemmas of Justice in ‘Post-Socialist’ Age”. New left Review 212: 68-93.
Honneth, A (2001) “Recognition or Redistribution? Changing Perspectives on the Moral Order of Society” Theory, Culture & Society, Vol. 18 (2-3): 43-55.
موقع الباحث المغربي مصطفى عنترة ضمن شبكة الحوار المتمدن:
http://www.ahewar.org/m.asp?i=303


* هذا ملخص العرض الذي ألقي ضمن الندوة التي نظمتها جريدة روافد (ثقافية، شهرية) يوم الأحد 1 يونيو 2008 بالمركز الثقافي الأندلس بمرتيل.

14‏/07‏/2008

عن الأخلاق

سألني الأخ خالد سليكي، رئيس المركز المتوسطي للدراسات والأبحاث، ثلاثة أسئلة في سياق الإعداد لندوة تخليق الحياة الثقافية، فكانت الأجوبة المختصرة الآتية:

1- لماذا سؤال التخليق؟
مسألة الأخلاق مسألة مطروحة على الدوام. هناك أخلاق فردية وهناك أخلاق جماعية. لكن عندما يثار سؤال التخليق فإن المراد به عموما يكون تخليق تصرفات الجماعة في ميدان معين: في الحياة العامة، في الأحزاب، في المقاولة...الخ. فحسن سير هذه الميادين لا يمكن أن تضمنه القوانين الصورية بمفردها، بل يتعين على الفاعلين والمتدخلين والمتأثرين، إلى جانب احترامهم القوانين الصورية، أن يتحلوا بصفات أخرى لا ينص عليها القانون ولا يلتفت إليها. وهذه الصفات لها صلة بالمزاج (لفظ الأخلاق في اليونانية مشتق من كلمة تفيد المزاج (ethos)). التخليق إذن أمر يرتبط بالتأثير في مزاج الجماعة لكي يتصرف أعضاؤها ويسلكوا على هدي قيم.

2- ماذا يجري في المغرب، وما علاقته بالتخليق؟
في المغرب طرح إشكال تخليق الحياة العامة في إطار حكومة التناوب. وتناولته الصحافة، وعقدت حوله الندوات. لكن إشكال الأخلاق كما أومأتُ إلى ذلك أعلاه ليس إشكالا صوريا، أي لا يمكن أن نصدر مرسوما أو قانونا بشأنه ونراقب من يخرقه. معظم الذين تحدثوا عن الموضوع لا يميزون بين الأخلاق الفردية والأخلاق الجماعية. الرشوة ليست شأنا فرديا، وكذلك استعمال المال في الانتخابات، وكذلك البقاء في المواقع القيادية الحزبية إلى حين الوفاة...الخ كل هذه الظواهر ترتبط بمزاج جماعي مقبول ومتوافق عليه ضمنا، وهناك ثقافة عامة غير مكتوبة تُنتَج ويعاد إنتاجها تغذي هذا المزاج العام وتسوغه. بل إن الحديث عن التخليق، من حين لآخر، هو أيضا حديث متوافق عليه لرفع العتب، والظهور بمظهر الرافض للأوضاع. فالفصام لا يصيب الأفراد وحدهم، بل يصيب الجماعات أيضا.


3-كيف يمكن أَجرأة التخليق؟
قبل الأجرأة يتعين علينا أن نفتح نقاشا عن القيم التي نريد لها أن توجه السلوك وتضبط التصرف. ليس هناك اتفاق، بل إن النقاش في الأصل لم يفتح بعد. والحسم في مسألة القيم أمر ليس أخلاقيا، إنه بالأحرى أمر سياسي. قبل الأجرأة يجب علينا أن نبتَّ الأمرَ في السياسة. المشكل في نظري أن المغرب يشهد نوعا من اللا تسييس (dépolitisation) يبدو منه كما لو أنه أمر يخص التخليق. فإذا نحن أعدنا تسييس (repolitisation) المجتمع، وفق معايير الديمقراطية، سنكتشف أننا قد خَلَّقنا المجتمع تلقائيا. فتراجع نسبة التخليق في المجتمع ليس سوى انعكاسٍ لانحسار السياسة فيه.

10‏/07‏/2008

ندوة ولقاء

ينظم المركز المتوسطي للدراسات والأبحاث ، بالتعاون مع عدد من الجهات الثقافية والإعلامية، يوم الثلاثاء 15 يوليوز بفندق المنزه بمدينة طنجة، ندوة عن تخليق الحياة الثقافية، ولقاء احتفائيا بالشاعر المغربي عبد الكريم الطبال.

البرنامج:
الصباح
العاشرة والنصف
ندوة: تخليق الحياة الثقافية
يشارك فيها:
عبد الجليل بادو، ومصطفى الحداد، وعثمان أشقرا، ومحمد بلال أشمل، وعبد
اللطيف شهبون وخالد سليكي.




المساء
الساعة السادسة والنصف مساء
اللقاء الاحتفائي بالشاعر المغربي عبد الكريم الطبال



عن اللجنة التنظيمية
خالد سليكي

14‏/03‏/2008

العقل السياسي في الإسلام لمحمد عابد الجابري بالفرنسية

صورة غلاف طبعة باريس



صدرت عن دار (La Découverte) بباريس (فرنسا) 2007، ومركز البحث والتنسيق العلميين (Cercos) بتطوان (المغرب) 2006، الترجمة الفرنسية لكتاب محمد عابد الجابري العقل السياسي في الإسلام. وقد قام بترجمة النص فريق من الباحثين هم بوسيف واسطي، عبد الهادي الدريسي، محمد زكراوي. وقد أشرف أحمد محفوظ على هذه الترجمة وراجعها ونسق أعمالها. كما ساهم في هذا العمل مجموعة من الباحثين الآخرين شكرهم أحمد محفوظ في مطلع الكتاب وهم: نجيب واسمين، مصطفى الحداد، سعيد خلادي، محمد نايت الحاج، مراد محفوظ، رشيد برهون، أسامة جابر، جان فيليب جيليبوف.
وقد سبق لأحمد محفوظ أن ترجم كتاب تكوين العقل العربي بمعية مارك جوفروا إلى الفرنسية، وترجم الكتاب نفسه منفردا إلى الإسبانية، كما سبق له أن نسق المشروع الذي أشرف عليه محمد عابد الجابري المتصل بتحقيق مؤلفات ابن رشد، وهي أعمال صدرت كلها عن مركز دراسات الوحدة العربية 1998- 1999 ( فصل المقال تحقيق عبد الواحد العسري، تهافت التهافت تحقيق مصطفى الحداد وأحمد محفوظ، مناهج الأدلة تحقيق مصطفى حنفي، الكليات في الطب تحقيق أحمد محفوظ).

وفيما يلي محتويات كتاب العقل السياسي في الإسلام، يليها مقتطف مما ورد في الغلاف:



La raison politique en islam

Mohamed Abed Al-Jabri
.Préface

- Introduction

Déterminants


De la Da‘wa à l’État, le dogme

- La Da‘wa muhammadienne face à la riposte politique de Quraysh

- La formation de la première communauté musulmane

- Leçons eschatologiques pour les opulents infidèles

-Manifeste de la Da‘wa

- Rupture avec l’héritage polythéiste

- Deux poids deux mesures

De la Da‘wa à l’État, la tribu

- État de la Da‘wa et résurgence de l’esprit tribal

- La tribu, ange gardien du Prophète

- Luttes intestines

- En quête d’alliances

- La sahîfa, un pacte entre muhâjirûn, ansâr et juifs

- Le butin, pierre angulaire de la société tribale

De la Da‘wa à l’État, le butin

- Enjeux commerciaux d’un conflit religieux

- La Mecque, une cité qui éveille les convoitises

- Avancée triomphale d’un État naissant

- La question du butin

- La conquête de La Mecque

- Enseignements et retombées d’une sourate

De l’Apostasie à la Discorde, la tribu

- La nouvelle Communauté face à son destin politique

- Le choix d’un calife ou la tribu ressuscitée

- La tribu, ce puissant déterminant de la raison politique arabe

- Le Comité consultatif de ‘Umar

- Les Umayya ou la promotion d’un clan

- Conflits tribaux en ébullition

- Tous contre Quraysh

- ‘Alî et la gestion désespérée d’un camp en éclats

De l’Apostasie à la Discorde, le butin

- Tribut et aumône légale, symboles de la souveraineté

- Partage sur fond d’impératifs tribaux et dogmatiques

- Les fondements du système administratif et économique du nouvel État

- Inégalités criardes et révoltes déchaînées

- La vie sociale sous ‘Uthmân

- ‘Alî ou l’utopique équité

De l’Apostasie à la Discorde, le dogme

- La Da‘wa, un courant parmi d’autres !

- Les faux prophètes

- La Ka‘ba a des rivales

- Le Yémen, berceau du shî‘isme

- Querelle des interprétations

Manifestations


Instauration du règne politique

- Un dit prophétique

- Du califat à la monarchie

- Un discours politique tout à fait nouveau

- L’émergence d’un espace politique

- Les khârijites et le Pouvoir : le dogme au service de la politique

- Les partisans de la neutralité

-Les traditionnistes, les lecteurs (du Coran) et les ascètes

- Les mawâlî, ou l’anti-tribu

- La science, moyen d’ascension sociale

- Les mawâlî, force sociale redoutable

- L’État omeyyade : la force de l’épée, la commensalité et la légitimité qurayshite

- La prodigalité, une constante de la stratégie politique omeyyade

- L’idéologie fataliste, une véritable aliénation

Mythologie de l’imâmat

- Scissions au sein du jeune État

- La dimension politique du mouvement de Mukhtâr

- À la recherche d’alliés

- Profil psychologique d’un allié équivoque

- Éléments hétérogènes d’une théorie de l’imâmat

- Le capital symbolique des imâms

- La notion de mahdî (messie)

- L’imâm et l’Esprit de Dieu

Un mouvement éclairé

- Précisions méthodologiques

- L’idéologie fataliste des Omeyyades

- Les khârijites, une machine à insurrections

- Le rationalisme de Basrî, une opposition politique fondée sur le débat

- Les défenseurs du libre arbitre

- Droit de citoyenneté au sein de la communauté musulmane

- Jahm, un opposant qui appelle à la consultation et à l’égalité

- Wâsil et le rationalisme mu‘tazilite

- L’Intelligentsia éclairée de la révolution abbaside

Idéologie du règne sultanien et jurisprudence politique)

- Les Abbasides et la constitution du bloc historique

- Théorie de l’éminence du calife

- Idéologie d’élite et restructuration de l’État

- Pour un État califal, centralisé

- De l’analogie entre Dieu et le calife

- La logique du fait accompli

- Conclusions et perspectives

- Index.


Depuis l’émergence de l’islam politique dans les sociétés musulmanes des années 1980, médias et experts occidentaux ont multiplié discours et analyses sur les relations entre islam et politique, sans éviter trop souvent les pièges de l’essentialisme, voire de la simple islamophobie. Mais les nombreux penseurs du monde musulman qui ont abordé ces questions restent largement méconnus, en particulier ceux qui s’expriment en arabe.

D’où l’intérêt majeur de cette traduction du troisième volume de l’œuvre célèbre du philosophe marocain Mohammed Abed Al-Jabri, Critique de la raison arabe : cet ouvrage propose une analyse critique, de l’intérieur, du patrimoine politique islamique, qui éclaire d’un jour nouveau les manifestations de l’islam politique moderne – fondamentalisme, extrémisme religieux, etc. Pour en comprendre les ressorts profonds, Al-Jabri iden-tifie les trois facteurs clés, empruntés aux travaux d’Ibn Khaldoun, qui ont déterminé la nature de la « raison » politique en islam dans le monde arabe : la tribu, le butin et le dogme. C’est au moyen de ces trois éléments qu’il analyse – en s’appuyant sur de nombreux textes historiques – les manifestations de cette raison : l’idéologie fataliste des Omeyyades, la mythologie de l’imâmat, le mouvement éclairé, l’idéologie sultanienne.

Al-Jabri montre ainsi que l’islam est, certes, une religion et un mode de vie, mais qu’il n’a jamais statué sur le régime de l’État. Ce qui lui permet d’ouvrir les pistes d’un renouveau démocratique de la raison politique en islam, invitant les musulmans à adopter la consultation en tant que principe directeur pour une organisation démocratique et rationnelle de la société, bâtie sur la libre pensée, le droit à la différence et la mise en œuvre de la raison critique.

04‏/03‏/2008

ديريدا، الأدب والفلسفة

جاك ديريدا


هذا مقتطف من حوار أجرته مجلة (Autrement) مع جاك ديريدا (Jacques Derrida) سنة 1988، يرد فيه ديريدا على الذين اتهموه باختزال الفلسفة وردها إلى الأدب. وأحد الذين اتهموه الفيلسوف الألماني هابرماس في كتابه خطاب الحداثة الفلسفي. ففي هذا الكتاب ذهب هابرماس إلى أن ما يميز ديريدا هو أنه خصم عنيد للتقليد الأفلاطوني –الأرسطي القائل بأسبقية ما هو منطقي على ما هو بلاغي. فديريدا يرمي حسب هابرماس إلى توسيع سيادة البلاغة لتطال حقل المنطق وتهيمن عليه، وذلك للالتفاف على المشكل الذي يواجه النقد الشمولي للعقل. ولعل أبرز ما يترتب على الطعن في أسبقية المنطق على البلاغة أن الحديث عن التناقض يصبح غير ذي معنى، لأن مثل هذا الحديث لا يكون دالا إلا في نطاق شروط الاتساق المنطقي. وعندما تصبح السيادة للبلاغة على المنطق تمسي هذه الشروط فاقدة كل سلطة، أو على الأقل تصبح مدمجة ضمن شروط أخرى أعم قد تكون ذات طبيعة جمالية. وفي هذا الجزء من الحوار يناقش ديريدا هذا الإشكال بعمق لافت، ويرد عنه الاتهام.



*******



السائل:
لقد اقترحتم في مناسبات كثيرة أن النص الفلسفي يجب أن يُتناول كما هو، قبل أن تقع مجاوزته إلى الفكر الذي يتناوله. وهكذا وجدتم أنفسكم منقادين إلى قراءة النصوص الفلسفية بالعين نفسها التي تقرأون بها النصوص التي يُنظر إليها عموما على أنها نصوص "أدبية"، كما وجدتم أنفسكم كذلك تعيدون تناول هذه النصوص الأخيرة في سياق إشكالات فلسفية. فهل هناك كتابة فلسفية خالصة؟ وبأي شيء تتميز عن صور الكتابة الأخرى؟ ألا يحيد بنا الاهتمام المفرط بالأدب عن وظيفة الخطاب الفلسفي البرهانية؟ ألا نجازف، والحالة هذه، بمحو خصوصية الأجناس وبإخضاع النصوص كلها إلى عين القياس ؟

ديريدا:
اعلم أن النصوص كلها مختلفة. وعلى المرء أن يعمل ما بوسعه لئلا يخضعها أبدا "للقياس نفسه"، أو يقرأها بـ "العين نفسها". فكل نص يستدعي، إذا صح القول، "عينا" أخرى. حقا، إن النص في حدود معينة يُجيب أيضا عن انتظار مُرَمَّز ومُحدَّد، وعن عين وأذن تسبقانه وتُمليانه وتوجهانه بطريقة ما من الطرق. بيد أنه بالنسبة إلى بعض النصوص النادرة يمكن القول إن الكتابة في هذه النصوص تنزع نزوعا إلى تعيين بنية وفسيولوجيا عين لَمَّا توجد يتجه نحوها حدث النص، ومن أجلها يخلق هذا النص أحيانا قدره... إلى من يتوجه النص؟ إلى أي مدى يمكن لهذا الأمر أن يُحدَّد، سواء أكان ذلك من جانب "المؤلف" أم من جانب "القراء"؟ لماذا تظل هناك "لعبة" معينة غير قابلة للاختزال أو الرد ولازمة لقيام هذا التحديد ذاته؟ إنها أيضا أسئلة تاريخية واجتماعية ومؤسسية وسياسية.
ولكي أحصر كلامي في النمطين اللذين أثرتهما في سؤالك، أثبت لك أنني لم أماثل أبدا بين نص يقال عنه إنه فلسفي وآخر يقال عنه إنه أدبي. النمطان يبدوان لي مختلفين أشد ما يكون الاختلاف. ويجب أن يُعلَمَ كذلك أن التخوم بين النمطين معقدة جدا (فعلى سبيل المثال، لا أعتقد أنهما جنسان كما ترى أنت) وأقل طبيعية أو لاتاريخية أو بداهة مما نقول أو نعتقد. فالنمطان بإمكانهما أن يتشابكا في المتن نفسه حسب قوانين وصور لا تعد دراستها هامة وجديدة فحسب، بل لازمة إذا كنا لا نزال نرغب في الإحالة على هوية شيء ما بوصفه "خطابا فلسفيا" ونحن على علم بما نقول. ألا يجدر بنا أن نهتم بالمواضعات والمؤسسات والتأويلات التي تُنتِجُ أو تحافظ على هذا الجهاز من التخوم بكل الأعراف وبكل ما تفرضه من إقصاءات؟ لا يمكننا التصدي لهذا الكم من الأسئلة ما لم نتساءل لحظة "ما الفلسفة؟"، و"ما الأدب؟". إن هذين السؤالين عويصان ومفتوحان اليوم أكثر من أي وقت مضى. إنهما في ذاتيهما إذا نحن رمنا الإجابة عنهما ليسا فلسفيين وليسا أدبيين. وفي الأخير، أقول الشيء نفسه في نهاية المطاف عن النصوص التي أكتبُ؛ على الأقل بالنظر إلى كونها نتيجة للغليان الناجم عن هذه الأسئلة الحارقة. لكن هذا لا يعني، أو هذا ما أتمناه على الأقل، أن هذه النصوص ترفض ضرورة البرهنة بأكبر ما يمكن من الدقة، حتى وإن لم تكن قواعد البرهان المعتمدة فيها هي نفسها بالضبط، أو على الدوام، القواعد التي توجد فيما تسميه أنت "خطابا فلسفيا". بل حتى في هذا الخطاب كما تعلم تعد أنظمة البرهنة (régimes de démonstrativité) إشكالية وكثيرة ومتحركة، وتمثل بذاتها موضوعا قارا لتاريخ الفلسفة برمته. والنقاش الذي دار حولها يختلط بالفلسفة ذاتها. فهل تعتقد أن قواعد البرهنة يجب أن تكون واحدة عند أفلاطون وأرسطو وديكارت وهيجل وماركس ونيتشه وبيرجسون وهايدجر أو ميرلوبونتي؟ وهل الشيء نفسه ينبغي أن يصدق على لغة هؤلاء ومنطقهم وبلاغتهم؟
إن الأمر لا يتعلق هاهنا برد "الخطاب الفلسفي" إلى الأدب بقدر ما يتعلق بتحليله في صورته وصيغ تأليفه وبلاغته واستعاراته ولغته وخيالاته وكل ما يتمنع فيه عن الترجمة... الخ إنه لمن صميم عمل الفلسفة التصدي لدراسة "هذه" الصور التي تعد أكثر من مجرد صور، ودراسة الجهات التي بمقتضاها أَوَّلَت المؤسسة الأكاديمية للفلسفة الشعرَ والأدبَ وأنزلتهما منزلة اجتماعية وسياسية مخصوصة وسعت إلى استبعادهما من (أو ألقت بهما بعيدا عن) متنها مدعية استقلالها الخاص عنهما، متنكرة بذلك للغتها الخاصة، أي لما تسميه أنت بـ "الأدبية" والكتابة عموما، متجاهلة بذلك معايير خطابها الخاص، والعلائق القائمة بين الكتابة والكلام، ومساطر ترسيخ النصوص الكبرى أو النموذجية وتكريسها...الخ . فأولئك الذين يعترضون على كل هذه المسائل وعلى ما تستدعيه أو تفترضه من تغيرات إنما يقصدون من وراء ذلك حماية نوع من السلطة المؤسسية للفلسفة كما جرى تثبيته وتكريسه في وقت معين. وفي هذا الخصوص بدا لي أن هناك فائدة تُرجى من دراسة بعض الخطابات كخطابات نيتشه أو فاليري التي تنزع إلى النظر إلى الفلسفة بوصفها نوعا من الأدب. لكن لم يسبق لي أبدا أن وافقت على ذلك. وقد أوضحت هذا الأمر. أما أولئك الذين اتهموني بأنني أرد الفلسفة إلى الأدب، أو المنطق إلى البلاغة (انظروا مثلا كتاب هابرماس الأخير خطاب الحداثة الفلسفي) فإنهم تحاشوا بوضوح وعناية فائقة قراءة ما قلته.
غير أنني لا أعتقد أن الصيغة "البرهانية" ولا الفلسفة بصفة عامة مجالان غريبان عن الأدب. فبقدر ما توجد أبعاد "أدبية" و"تخييلية" في كل خطاب فلسفي، توجد أيضا وحدات فلسفية (philosophèmes) تعمل وتشتغل في كل نص يُعرف بأنه نص "أدبي"؛ بل توجد هذه الوحدات في المفهوم الحديث للـ "الأدب" نفسه.
إن هذا الفرز بين "الفلسفة" و"الأدب" لا يعد فقط مشكلا عويصا أحاول جاهدا أن أصوغه كما هو، بل إنه أيضا المشكل الذي يتخذ في نصوصي صورة كتابة تميل ميلا إلى الإبقاء على العناية بالبرهان وبالأطروحات إلى جانب العناية بالتخييل أو شعرية اللغة، حتى لا تكون هذه الكتابة كتابة أدبية خالصة ولا تكون كتابة فلسفية خالصة أيضا.
ولكي أجيب باختصار عن سؤالك بحذافيره أقول لك: إنني لا أظن أن هناك "كتابة فلسفية خالصة" أي لا أظن أن هناك كتابة فلسفية واحدة يكون نقاؤها محصنا على الدوام من كل أنواع العدوى. وبما أن الفلسفة تُتَكلَّمُ وتُكتَبُ بلغة طبيعية وليس بلغة كلية أو بلغة تقبل الصورنة قُبولا جذريا، فإن هذا يعني أنه في قلب هذه اللغة الطبيعية وفي استعمالاتها المختلفة توجد صيغ تفرض نفسها كرها بوصفها صيغا فلسفية (هناك إذاً علاقة قوة). وتعد هذه الصيغ كثيرة ومتصارعة وغير قابلة للانفصال حتى عن المضمون وعن "الأطروحات" الفلسفية. فالنقاش الفلسفي هو أيضا اقتتال من أجل فرض صيغ خطابية ومساطر برهانية وتقنيات بلاغية وبيداغوجية. وإذا حصل أن عارض المرء يوما فلسفة معينة فإنه لا يعارضها فقط بل يكون أيضا شاكا في الطابع الفلسفي الخالص والأصيل لخطاب الآخر.



Derrida, J « Y a-t-il une langue philosophique? Entretien avec J. Derrida » Paru dans Autrement Revue, n° 102 : «À quoi pensent les philosophes?», dirigé par J. Message, J. Roman et E. Tassin, Paris, novembre 1988. pp 30-32.

11‏/02‏/2008

التذاوت والتشاور والتشارك

التذاوت والتشاور والتشارك






مداخل ترجمتُها من قاموس العلوم الاجتماعية الصادر عن مطابع أكسفورد الجامعية (OUP) سنة 2002. وقد حررها كريغ كالهون، المشرف على القاموس*.






التذاوتية (intersubjectivity)

يشير هذا المفهوم إلى العلاقات التي تقوم بين الناس، من حيث إنها علاقات تختلف عن تلك التي يقيمونها ببواطنهم (الذاتية)، أو بما هو بعيد أو متعال عنهم (الموضوعية، أو الواقع المتعالي). والتذاوتية بصفة عامة نزعة في فلسفة القرن العشرين وعلومه الاجتماعية تُعَوِّل على التواصل بين الناس وعلى فهمهم المشترك أكثر مما تعول على الشعور الفردي ومفاهيم المعرفة الموضوعية. وقد ساعدت أعمال كل من هيردر، وهامبولت، وهيجل، على شق الطريق أمام هذه النزعة. فأعمال هؤلاء الفلاسفة كان مدارها وقطب رحاها نقد فلسفات الذاتية المستقلة، وخصوصا عقلانية ديكارت، ومونادولوجيا ليبنتس (Leibnizian monadology). وقد واصلت الفلسفة المعاصرة، بعد 'الانعطاف اللغوي'، هذه المسيرة وعمقتها في جبهات كثيرة. ومن بين الأعمال الرئيسة في هذا الباب نذكر أعمال فيتجنشتاين، ودراسات تشارلز تايلور عن الذات واللغة والجماعة، وفلسفة هابرماس المبنية على التواصل. وقد ابتعدت اللسانيات هي أيضا عن التركيز على البعد الإحالي للغة وأخذت تركز على بنية اللغة واستعمالها وخصائصها الإنجازية. وبهذا أصبح للمقاربات المبنية على التذاوت أثر كبير في العلوم الاجتماعية، وخصوصا في علم الاجتماع وفي الأنثروبولوجيا. ومن بين أهم المقاربات وأشهرها في هذا السياق نذكر نظرية الفعل (Action theory)، ونظرية التفاعل الرمزي (Symbolic interactionism).

الديمقراطية التشاورية (deliberative democracy)

اتجاه في الفكر السياسي يرى أصحابه أن على الديمقراطية أن تنتظم على نحو تكون فيه قادرة على فتح المجال أمام المواطنين للانخراط في نقاش معقول (reasoned debate). الديمقراطيون التشاوريون، مثلهم مثل الديمقراطيين التشاركيين، لا يرومون توسيع مجال الديمقراطيات الموجودة اليوم فقط ، بل يسعون أيضا إلى الرفع من مستواها من ناحيتين: الأولى لكونهم يرون أن النقاش الموسع والمطلع يقود إلى اتخاذ قرارات أحسن من غيرها وأكثر عقلانية وشمولية؛ والثانية لكونهم يرون أن النقاش الموسع يقوي الاستدلال الأخلاقي عند المواطنين، ويرفع من قدراتهم المعرفية ومن حماستهم العمومية (public spiritedness).وقد اقترح المدافعون عن الديمقراطية التشاورية، مثل جيمس فيشكين، عددا من الإجراءات المُميَّزة من أجل التشجيع على التشاور والرفع من مستواه. فالاستطلاع التشاوري على سبيل المثال يَستبدل بالاستطلاع الشائع الذي يتناول الأراء الجاهزة والمسبقة التي تكون سلفا لدى المواطنين، سلسلةً من الاستطلاعات المتقطعة التي تأخذ بعين الاعتبار المعلومات الجديدة التي يحصل عليها المواطنون والفرص التي تتاح لهم لكي يناقشوها. وتستند الديمقراطية التشاورية إلى تراث زاخر وعريق من البحث في طبيعة المشاركة السياسية وفي الحكم الجمهوري. ويعد يورغين هابرماس أحد أبرز المدافعين المعاصرين عن هذه الآلية التشاورية وأحد أبرز المنتقدين أيضا لبنيات الديمقراطية الجماهيرية (mass democracy) الشائعة اليوم.



(ساحة التشاور)





الديمقراطية التشاركية (participatory democracy)



تركز الديمقراطية التشاركية على مشاركة المواطنين النشيطة في المؤسسات السياسية. وقد اقترن هذا النوع من الديمقراطية تاريخيا بالجمهوريات أو الجماعات الصغرى التي يمكن فيها للمواطنين أن يتشاوروا مع بعضهم البعض وجها لوجه. وتعد الديمقراطية الأثينية المثال الكلاسيكي في هذا الشأن حيث كان أصحاب المناصب يأتون مباشرة من هيئات المواطنين. ويشكل لقاء مدينة نيو إنجلند الشهير مثالا معاصرا في الولايات المتحدة على هذا النوع من الديمقراطية. غير أن هذا الضرب من الديمقراطية غالبا ما ينتقد لكونه غير عملي؛ فهو لا يتلاءم مع الديمقراطيات الحديثة كبيرة الحجم. فالبنيات التمثيلية في هذه الديمقراطيات هي التي حلت محل المشاركة المباشرة وعوضتها على نطاق واسع. صحيح أن الاستفتاءات والصور الأخرى للديمقراطية المباشرة تستجيب لبعض مقاييس المشاركة، لكن هذه الاستفتاءات وهذه الصور غالبا ما تُنتقد لانفصالها عن المظاهر المؤسسية والتشاورية لعمليات اتخاذ القرار. وللتصدي لهذه الانتقادات يلجأ القائلون بالديمقراطية التشاركية إلى الدفاع عن عدم تركيز السلطة، وإلى بعثرتها في المحلات حيث يكون بإمكان المواطن آنئذ أن يشارك في مؤسسات السلطة. بعض هؤلاء المدافعين عن الديمقراطية التشاركية، مثل كارول باتيمان في كتابها المشاركة ونظرية الديمقراطية (1970)، يرى أن هذا النوع من الديمقراطية له مزايا معيارية كثيرة، أهمها أنه يقلص الغربة العمومية إزاء السلطة، ويشجع على اهتمام المواطنين بالمشاكل الجماعية.





*





صورة غلاف القاموس

07‏/02‏/2008

الإنترنـت.. والمثـقف

الإنترنت.. والمثقف



حوار مع مصطفى الحداد أجراه أحمد الخمسي


س: كيف تنظرون إلى الإنترنت؟ وكيف تقومون الدور الذي تلعبه المواقع الثقافية فيه ؟



ج _ الإنترنت، كما تعلم، لا يعدو أن يكون سندا أو حاملا. لذلك لا يمكن أن ننتظر من السند أو الحامل أن ينوب عنا في إنتاج الثقافة أو الفكر أو أي شيء آخر. الإنسان هو الذي ينتج الأفكار ويبدع الرؤى ويُفصِّل الثقافات تفصيلا. والإنترنت نفسه قبل أن يصير واقعا هو فكرة أبدعها الإنسان. هذا إذا شئتَ هو البعد المبدئي في هذه القضية. لكننا، إلى جانب هذا البعد المتصل بالمبدأ، يجب علينا أن ننتبه إلى أن للسند دورا في إعادة تشكيل ما يسْنِدُ، أو في توجيه ما يَحْمِل. الأسانيد بعبارة أخرى فاعلة ومؤثرة، وليست محايدة كما قد يُظَن. وهذا واضح من مراجعة تاريخ الحوامل أو الأسانيد. فكلما كان يظهر حامل جديد إلى الوجود، كانت رؤى الناس إلى ما ينتجون تتغير وتتبدل. بل إننا غالبا ما نصف لحظات الانتقال هذه بأنها ثورات. وهذا في رأيي وصف دقيق لا اعتراض عليه، ولا يمكن بحال تأويله على المجاز. حصل هذا مع ظهور الكتابة، وحصل أيضا مع ظهور الطباعة، وحصل كذلك عند ظهور المذياع وبعده التلفزيون، وهو يحصل الآن مع ظهور الإعلاميات وخصوصا الإنترنت. وفي كل مرة كُنتَ تجد الناس ينقسمون إزاء الجديد قسمين أو فريقين: فريق محافظ، أو ضيق الأفق، مشدود إلى الوراء، ينادي بالوقوف سدا منيعا أمام الجديد، ويستنفر الجهود لتحصين القديم والدعاية له؛ وفريق آخر ثوري، أو ليبرالي، ينخرط بحماسة، منقطعة النظير أحيانا، في الدفاع عن الجديد. هذا حال الناس دائما. ولن تجد لهذه السنة تبديلا.
الغريب في الأمر أن استقراء التاريخ يبين أن النصر كان دائما حليف الفريق الثاني في كل المعارك التي دارت في أعقاب ظهور هذه الحوامل الجديدة: انتصرت الكتابة على المشافهة، وانتصرت الطباعة على النسخ باليد، وانتصرت الصورة الصوتية والمرئية على الحرف المقروء، وها نحن نتهيأ اليوم لانتصار مارِدِ الإنترنت على ما عداه؛ إنه مارد يكثف الحوامل السابقة جميعَها ويجاور بينها على نحو نسقي وسلس غير مسبوق.
بالنسبة إلى الشق الثاني المتعلق بالدور الذي تلعبه المواقع الثقافية الموجودة على الإنترنت، وهو شق بالغ الأهمية في سؤالك، فلا أعتقد أن هناك تقويما علميا دقيقا في المغرب أو في العالم العربي لهذا الدور: ليس هناك، حسب علمي، جرد لهذه المواقع الثقافية، ورصد لقيمة كل واحد منها. وليس هناك إحصاء دقيق ومحايد لعدد زوارها، مصحوب باستطلاع آرائهم عنها، وعن قيمة مشاركتهم فيها، وعن مدى استفادتهم معرفيا منها. وعلى ذكر الاستفادة المعرفية هاهنا يجب أن ننبه إلى أننا غالبا ما نخلط بين شيء اسمه المعلومات، وشيء آخر مختلف جذريا اسمه المعرفة. فالإنترنت مملوء بالمعلومات، ويمكن أن نقول، على الأقل من جهة الظاهر، إن هذه المعلومات متاحة وفي متناول كل جالس أمام حاسوب مقترن بالشبكة في أي منطقة في العالم. فيمكن لهذا الجالس، أيا كان، أن يسبح في بحر المعلومات ويغرف أو يخزن منه ما شاء أو استطاع في حاسوبه، وتصبح هذه المعلومات ماديا في متناول نَقَراته. لكن السباحة وسط المعلومات، والغرف منها، لا يجعلان من هذا الجالس شخصا عارفا أو عالما بما يملك من معلومات. قضية المعرفة تختلف كليا عن قضية وجود المعلومات في متناول اليد. المعلومة لا تتحول إلى معرفة إلا إذا فكها الإنسان وأدرجها تصوريا في نسقه المعرفي، بحيث تصير جزءا لا ينفك عنه، واشتغل عليها ووظفها أو استثمرها في سياق بحث أو اختراع أو مشروع أو برنامج أو رؤية هو صاحبها. من هذه الجهة يكون تقويم الاستفادة من المعلومات التي تزخر بها شبكة الإنترنت أمرا شائكا، إن لم نقل بالغ التعقيد، يتطلب منا ونحن نتحدث عنه الالتزام بشيء من الاحتياط كثير.
هناك أيضا مشاكل أخرى لا تقل أهمية تتصل بما يعرف بالفجوة الرقمية في بلداننا: كلفة الحواسيب، ومعدلات توزيعها غير المتكافئ على مجموع السكان، وتدني قدرات الارتباط أو الاقتران عبر الإنترنت (Connectivity)، وانخفاض مستويات التدريب وبناء القدرات (training and capacity-building) في مجال تكنولوجيا المعلومات، إلخ. فلكي نصوغ حكما في هذا المجال يجب أن نكون قد استوفينا شروط صوغ هذا الحكم. وهذا أمر أعتقد أننا ما زلنا بعيدين عنه.
غير أن هذا لا يمنعنا من إبداء بعض الملاحظات العامة حول هذا الموضوع. فحسب تجربتي المتواضعة في هذا الباب، ألاحظ انتشارا كبيرا للمواقع الثقافية التقليدية (التي قد نتحدث عنها فيما بعد)، كما ألاحظ أيضا أن لدى قطاع واسع من المثقفين المغاربة إحجاما أو حيطة أو ترددا، إذا شئتَ، في الإقبال على التعامل مع وسيط الإنترنت. هناك في السنوات الأخيرة، حقيقة، تحسن نسبي في إقبال عدد لا يستهان به من المثقفين المغاربة على فتح مواقع وإنشاء مدونات على الإنترنت. الناشطون السياسيون والنقابيون والجمعويون والصحافيون في المغرب تفوقوا، حسب رأيي، في هذا الجانب على المثقفين، إذ ما زال هناك تردد واضح لدى هذه الفئة الأخيرة عندنا. وهذا يظهر جليا عند زيارة مواقع أو مدونات كثير من المثقفين. فأغلب هذه المواقع تعكس تخصصات هؤلاء المثقفين الأكاديمية الضيقة ولا تميل عنها إلا لماما. ومعلوم أن الكاتب أو المفكر لا يصبح مثقفا بالمعنى الاصطلاحي إلا إذا استعمل معرفته الأكاديمية استعمالا عموميا. فالمثقف في الاصطلاح الأكثر رجحانا هو المثقف العمومي (public intellectual)، وليس الكاتب النابغة، أو المفكر الأكاديمي المبرز، أو الخبير الماهر والمقتدر. هؤلاء، على الرغم من باعهم ومن علو شأنهم، لا يمكنهم أن يصبحوا مثقفين، بالمعنى الدقيق والراسخ في هذا الاصطلاح، إلا إذا تصرفوا فيما يعرفون وحولوه من حدود النبوغ والأكاديميا والخبرة إلى الحدود العمومية التي تكون مبدئيا في متناول الجميع. هناك تردد إذاً. وهذا التردد في رأيي ليس ببعيد عما أشرتُ إليه أعلاه بخصوص انقسام الناس إلى محافظين وليبراليين إزاء الحوامل الجديدة. وهنا يبدو لي أن المثقف المغربي يحمل بين جناحيه مكونا محافظا قويا إزاء الإنترنت، وأقصد هنا على وجه التحديد المثقف الذي لا يكف، آناء الليل وأطراف النهار، عن الدفاع عن قيم الحداثة، كالإيمان بتطور العلم وأهمية التكنولوجيا والتسامح والتواصل وأهمية النقاش العام والاعتدال والحرية والعيش المشترك والديمقراطية والاختلاف...
اللافت في هذا السياق هو أن المثقف الذي نسميه أو نصفه عادة بالتقليدي، والذي يحتاط أو يجادل أو يشكك في كل القيم المذكورة أعلاه، ليس محافظا في هذه النقطة على وجه التحديد، أي في إقباله على استعمال الإنترنت. وهذا –لعمري- إشكال من صميم علم الاجتماع، يستحق أن نُعمل النظر فيه للكشف عن أسبابه: لماذا يكون المثقف الحداثي "تقليديا" ولماذا يكون المثقف التقليدي "حداثيا" في هذه النقطة تحديدا؟ لهذا السبب ربما انتشرت المواقع والشبكات الثقافية التقليدية على الإنترنت وقلت المواقع والشبكات المحسوبة على الحداثة.



س- هل يمكنك أن تصف لنا بعض هذه المواقع الثقافية التي وسمتها بالتقليدية؟


إن الذي يفتح محرك البحث غوغل، مثلا، على واجهته العربية، ويبادر بالبحث عن موضوع معين، أيا كان هذا الموضوع، سيفاجأ بكَمِّ المواقع والشبكات التقليدية الهائل، وسيلاحظ للتو، ومن دون أن يُجهد نفسه، مدى تقصير من يصنفون أنفسهم في خندق الحداثة. بل إن جولة سريعة في ربوع هذه المواقع والشبكات ستقنعك بأن قسما لا يستهان به مما يسمى بالإرهاب الموجود في العالم اليوم، لعب فيه التأطير عبر الإنترنت دورا رئيسا (واحد من الشباب المغاربة فجر نفسه في مقهى للإنترنت في الأحداث الإرهابية الأخيرة بالمغرب). فمعظم النقاش المفضي إلى الإرهاب والذي ينعكس على العالم الواقعي فيفجره ويحدث الرعب فيه، لا يجري في هذا العالم الواقعي، بل يجري في العالم الافتراضي، عالم الإنترنت، وتحديدا على هذه المواقع.
علاقة الإنترنت بالإرهاب لا تقف، بالمناسبة، عند كثرة المواقع التي تحتفي به وتشجع عليه، بل تتعدى ذلك إلى شيء آخر أعمق غالبا ما لا نلتفت إليه. فالإنترنت استحدث صيغة جديدة في فهم الإسلام والدعوة إليه لا قبل للناس بها، صيغة لا يسعى أصحابها إلى تأسيس أمة واقعية عن طريق الحشد والتعبئة الجماهيرية والشعبية المتعارف عليها في التقاليد السياسية المعهودة، بل صيغة يعلن أصحابها الانتماء إلى أمة متخيلة أو افتراضية فضفاضة، مقطوعة صلتُها بالواقع، لا يجسدها من حيث الشكل شيء آخر أفضل مما يجسدها وسيط الإنترنيت الافتراضي هو نفسه. هذه الصيغة في فهم الدعوة إلى الإسلام لا تحشد من الناس إلا أفرادا غاضبين، متناثرين في أرجاء المعمور، فقدوا صلتهم بواقعهم المحلي، بما في ذلك إسلامهم المحلي الذي تربوا عليه، فتغسل دماغهم وتنسق بينهم وتحولهم إلى قنابل موقوتة على أهبة الانفجار.
إلى جانب هذه المواقع والشبكات التقليدية الموصولة بالإرهاب، توجد شبكات ومواقع ثقافية تقليدية أخرى تعتمد نضالا يستند إلى الأخلاق (morality-focused activism) ويعول عليها. فهي مواقع وشبكات تتخذ شكل "مقاولات أخلاقية صغرى"، يشرف عليها ويسيرها ناشطون وفاعلون مهذبون جدا، بل غالبا ما يكونون من ذوي النباهة الدعوية الذين لا يجارون في الصبر وحسن الإنصات؛ ناشطون تحذوهم الرغبة الجامحة في تحقيق نوع من إعادة الانتشار لقاموس سلفي تقليدي مخصوص يصف الفضاء العمومي، وما يعتمل فيه من أفعال، بصيغ خطابية تعرض إعراضا عن السياسة؛ صيغ تستند أو ترتد في مجموعها إلى مقولتي الحلال والحرام، أو إلى ما هو إسلامي وما هو غير إسلامي. الاعتقاد الرئيس الذي يوجه المشرفين على هذه المواقع هو إلحاحهم الشديد على أن الفضيلة (الأخلاقية) هي الطريق الرئيس إلى بناء المجتمع الخَيِّر؛ وهو الاعتقاد نفسه تقريبا الذي سبق للفيلسوف الألماني هيجل أن انتقده انتقادا لاذعا في كتابه مبادئ فلسفة الحق حين صادفه عند مونتسكيو. والغاية التي تنشدها هذه المواقع والشبكات، التي تتخذ كما قلنا صورة مقاولات أخلاقية صغرى، هي أن تولد لدى جمهور المُبحرين والزوار، المُهَدَّدِين بالتحديث من كل جانب، الحاجةَ الدائمة إلى معرفة "موقف الدين" من هذا الأمر أو ذاك، حتى لو كان هذا الأمر أو ذاك داخلا في الباب الذي تشمله الآية القرآنية، في سورة المائدة، التي توصي بأن "لا تسألوا عن أشياء إن تُبْدَ لكم تسؤكم".
في مقابل هذا مازال المثقف المغربي الحداثي تأخذه الرعشة هيبةً من إمساك الفأرة بيده. إنه يعتقد أن إنشاء موقع أو مدونة أو منتدى للحوار على الإنترنت والتعبير عن رأيه، وتلقي آراء الآخرين، فيما يجري ويدور من أحداث، صغيرة عابرة أو كبيرة معقدة، يقوض صدقية المعرفة أو الثقافة واتزانها كما يتصورها. هذا التصور عن المعرفة في نظري خطير ونخبوي، بل تصور رجعي بالمقاييس كلها تقريبا، وينبغي أن يُراجَع قبل أن يصيح الديك. فالإنترنت اليوم جبهة رئيسة ومتقدمة من جبهات الصراع بين قيم الحداثة وقيم القدامة. ولا يمكن للمثقفين المغاربة ذوي الميول الحداثية أن يضعوا أصابعهم في آذانهم تاركين قطاعات واسعة من الشباب تتسكع في بحر لا يأمل الداخل فيه العودة ناجيا منه.


س- هل تعتقد أن بإمكان المثقفين أن يلعبوا دورا إصلاحيا أو علاجيا في هذا الباب؟


عندما ألح هنا على دور المثقف، لا أفهم هذا الدور من منظار علاجي أبدا، فضلا عن أنني لا أفهمه في ضوء الأطروحة 11 الشهيرة لماركس حول فيورباخ. المثقفون ليسوا أطباء. وخطابهم لا يتوجه إلى المجتمع ليغيره، أو ليقيم فيه النظام، أو ليبسط تعقيده، أو ليوقف كل خلاف فيه. ميزة خطاب المثقف قائمة، حسب رأيي، في كونه لا يلج المجتمع إلا لكي يضيف توابل جديدة من عدم اليقين إلى خليط التوابل الأخرى التي تنهض عليها تجربة الناس الجماعية في المجتمع. فنحن في حاجة، سواء في المغرب أو في العالم العربي بوجه عام، إلى الكثير من عدم اليقين... لقد أنهكنا اليقين. من يستطيع أن ينكر، مثلا، أن الشاب الذي يفجر نفسه وهو في مقتبل العمر لا يعاني يقينا مفرطا بأن الدنيا أظلمت إلى الأبد، وأن الناس من حوله كلهم كفار؟ ومن يستطيع أن ينكر أن الذي يتأهب ليهاجر بعيدا على قوارب الموت ليس متيقنا من أن الحياة في الوطن أضحت مستحيلة؟ ومن يستطيع أن ينفي أيضا أن النخب السياسية الحاكمة ليست متيقنة من أن سياساتها الاستبدادية واللااجتماعية التي تتبعها هي السياسات الوحيدة الكفيلة بحل مشاكل المجتمع؟ الخ. إن عدم اليقين الذي يترتب على خطاب المثقف من شأنه أن يشكك الكل فيما يدعونه ويخفف من غلوائهم ويردهم إلى عدم اليقين الذي هو عين الصواب. توابل المثقف باختصار تشبه، من وجوه شتى، كما قال برونو لاتور، تلك الجزيئات البروتينية المُعدية منزوعة النواة الأسيدية التي اكتشفها ستانلي بروساينر واستحق عليها جائزة نوبل سنة 1997.
فعندما نلح على أهمية ولوج المثقف عالم الإنترنت فإننا نريد أن ننبه إلى أن الإنترنت أصبح الوسيلة المثلى لنشر اليقين الملغوم وتعميم كثير من التسطيح والتنميط، خصوصا في بلدان كبلداننا تعاني تفشي الأمية، وتراقب نُخَبُها، وهي عاجزة فاتحة فمها، انهيار منظومات التعليم فيها. فإطلاق المثقف الحداثي للحبل على الغارب في هذا الباب يزيد الطين بلة ولا يجعلنا نتصور المستقبل صراحة إلا في حدود كارثية.


س-هل تقتسمون التخوف مع الحريصين على ترويج الكتاب، والذين يرون أن النشر الإلكتروني يخل بعملية إنتاج الكتاب، هذا الكتاب الذي هو في نهاية المطاف المحفز الأساسي للمؤلف والناشر والموزع؟



أي كتاب تتحدث عنه يا أخي أحمد؟ كم ننتج في العالم العربي من كتاب في السنة (أقصد هنا العدد ولا ألتفت إلى القيمة)؟ كم نترجم في العالم العربي بأسره من كتاب مقارنة ببلدان جارة لنا في المتوسط، كإسبانيا أو البرتغال أو اليونان؟ لقد قرأنا أنا وأنت تقرير التنمية الإنسانية في العالم العربي وناقشنا بإسهاب معضلة إنتاج الكتاب وتداوله في أكثر من ندوة ولقاء؛ ووقفنا على الإحصائيات المخجلة المتصلة بهذا المجال. الوضع محبط، بل خطير جدا. ليس هناك، على وجه الدقة، نشاط حقيقي ذو صلة بالكتاب في بلداننا... إلقاء اللوم على الإنترنت ليس سوى ذريعة من لا حول له ولا قوة. أزمة الكتاب وترويجه عندنا سابقة على ظهور الإنترنت. ولو أن هذه الذريعة كانت وجيهة، لحورب الإنترنت في الدول التي تغرق أسواق العالم بالكتب. الكتب والصحائف تُنشر على الأوراق والناس يشترونها، والكتب والصحائف نفسها تنشر إلكترونيا والناس يقرأونها و/أو يطلبون شراءها من على الشاشات. ولا علاقة لهذا البتة بذاك. هذا أمر معمول به في جل الدول التي تنتج الكتب بغزارة (باستثناء فرنسا التي مازالت في حيرة من أمرها مثلنا، لأسباب أخرى تختلف عن أسبابنا): معمول به في الولايات المتحدة، وفي كندا، بما في ذلك الكيبيك، وفي بريطانيا وأستراليا ونيوزيلاندا... بل إن الكتاب الكبار والصحافيين، من ذوي الشأن والباع، يشترطون على الجهة التي ينشرون فيها، إذا لم تفتح موقعها مجانا للمبحرين عبر الإنترنت، أنهم سيعيدون نشر مقالاتهم على مواقعهم الشخصية في الصورة التي نشرت بها في الأصل عند تلك الجهة.
وهذا ينطبق أيضا على الجامعات. فهناك سعي حثيث للانتقال من عصر جامعات اللَّبنات (brick universities)، أي الجامعات التقليدية التي تقوم على البنايات والأقسام والمدرجات، إلى عصر جامعات النَّقَرات (click universities)، أي الجامعات الافتراضية التي تتحكم فيها النقرات. زر مواقع الجامعات في هذه الدول التي أشرتُ إليها أعلاه. وإذا كنت شغوفا بالتعرف على المستوى الذي وصل إليه دمج التعليم الجامعي في سياق المعلوميات، افتح مواقع الدروس في أشهر الجامعات في العالم وأقواها: ستجد الدروس في معظمها ملخصة ومفتوحة فتحا على الملأ، في العلوم الصُّلبة وفي الإنسانيات والعلوم الاجتماعية على حد سواء (زر –على سبيل المثال لا الحصر– موقع OpenCourses بمعهد مساشوسيتس للتكنولوجيا). وإذا خفي عليك حرف في شيء منها، أو أردت نصحا، ما عليك إلا أن ترسل مايلا إلى صاحب الدرس نفسه تستفتيه، فيباغثك قبل أن يرتد إليك طرفك بالجواب. زر موقع جامعة كولومبيا، حيث كان الراحل إدوارد سعيد. واذهب إلى أرشيف الندوات والأيام الدراسية والمحاضرات المصورة بالفيديو هناك، وسترى. الشيء نفسه يقال عن جامعات أخرى في الولايات المتحدة، وعن جامعات كثيرة في أستراليا ونيوزيلاندا وكندا بما في ذلك الكيبيك. إذا جربت هذا مع الجامعات الفرنسية، التي مازلنا ندين لها بالولاء، لن تجد شيئا مما ذكرته لك. وإذا وجدته فاعلم أن المشرفين عليه يشتغلون ضمن البراديجم الأنغلوأمريكي وليس القارِّي، وأغلب كتاباتهم بالإنجليزية (زر موقع المعهد الفرنسي متعدد التخصصات المسمى بمعهد جان نيكو J .Nicod مثلا).
هذا ليس سخاء أنغلوأمريكيا كما يمكن أن نتصور. إنه بالأحرى إدراك لدور القوة الناعمة في الهيمنة والسيطرة، وإدراك لأهمية غزو العقول والقلوب وتشكيل الرأي العام وتوجيهه على نطاق كوني. لكنه أيضا، في وجهه النقدي، ثمرة جهود مناضلين وناشطين منشقين من بين العلماء والمفكرين والأساتذة الذين يستغلون التكنولوجيا إلى أقصى حد مستطاع ليجعلوا المعرفة أو المعلومات متاحة على نطاق كوكبي. فكمال المفكر أو المثقف أو الكاتب، بالمعنى الأرسطي للكمال، هو القارئ، وليس شيئا آخر. ثم إن الكتاب والمفكرين والمثقفين يراهنون اليوم على قراء كونيين وليس على قراء عموميين فقط. الفضاء المعرفي والثقافي أصبح كونيا أكثر فأكثر وسيزداد، ولم يعد عموميا كما كان إلا عند من لا يُعتد البتة برأيه.



س: ما هو دور المثقفين في تنوير الرأي العام، خصوصا في سياق هذا التضارب القائم بين الحاجة الماسة والأبدية للقراءة والمثاقفة، والتي ستفرز أشكالا من الإنتاج الفكري والأدبي، وبين تراجع الشكل الورقي الموروث من الكتاب؟



مخطوط الطب النبوي لشمس الدين الذهبي بن قايماز، مكتوب بمداد أسود وأحمر على أرضية بيضاء مشوبة بالحمرة (مأخوذ من موقع: http://www.makhtoot.com/)

الشكل الورقي أو الكتاب الورقي لن يتراجع. هذا في رأيي إشكال زائف. فكما لم يَكُفَّ الناس ويتوقفون عن المشافهة عند اختراع الكتابة، أو عن الخط باليد عند اكتشاف الطباعة، أو عن قراءة الصحف عند ظهور المذياع والتلفزيون، كذلك لن يكف الناس عن قراءة الكتب الورقية عند ظهور النشر الإلكتروني على الإنترنت. لم يسبق لحامل جديد أن ألغى حاملا قديما أو أزاحه. ليس هناك قطيعة بين هذه الحوامل كلها. بل إن الحامل الجديد يوسع من مجال الحامل القديم، ويفتحه على مغامرة جديدة إذ يدرجه ضمنه. المشكل الحقيقي المطروح علينا اليوم هو أن نجد ما ننشر، وأن يكون هذا الذي ننشره أصيلا من جهة أولى، ودالا بالنسبة إلى فضائنا العمومي المحلي من جهة ثانية، ومتناغما مع الفضاء الكوني الذي نحن مندمجون فيه من جهة ثالثة وأخيرة. وهذا أمر يقع بعضه على عاتق المثقفين، ويقع بعضه الآخر على عاتق الدولة ( تأهيل النظام التعليمي تأهيلا حقيقيا في مستوياته كلها وتحديثه، وتحديث قطاع الثقافة والفنون بوجه عام)، وقسم لا يستهان به يقع على كاهل المجتمع وقواه الحية من أحزاب ومنظمات مدنية أيضا. إنه كما ترى أمر شمولي، من صميم مسألة التنمية بمعناها العام، ومن صميم الموقف من العالم الذي نعيش فيه بوجه أعم. وأريد هنا أن أوضح نقطة أعتقد أنها جديرة بأن نفض النزاع حولها تتصل بمفهوم القراءة (قراءة الورقات، وقراءة الشاشات)، يجب علينا أن نقيم فرقا بين نوعين من القراءة: نوع يسمى بالقراءة الحاجية (lecture besoin)، أي القراءة المتصلة بالبحث، والوثائق والمعلومات عموما، وهذا النوع أعطاه وسيط الإنترنت دفعا قويا غير مسبوق؛ وبين القراءة الاختيارية أو المنتقاة (lecture choisie)، أي القراءة المريحة والمتأنقة الموصولة بالشغف وبالهواية وبالطقوس المتعارف عليها. هذا النوع الأخير من القراءة سيظل وسيستمر في الوجود. ولا أظن أن هناك تضاربا بين هذين النوعين من القراءة. بيد أن إغفال هذا التمييز بين النوعين يدخلنا مباشرة في اللاتاريخية. القراءة الحاجية أصبحت في أيامنا هذه أمرا لا يمكن تلافيه.
أما الناشرون في أوطاننا، إذا استثنينا ناشرين قلائل معروفين، فماذا فعلوا بالكِتاب وكاتبه قبل أن يظهر النشر الإلكتروني؟ كم يتقاضى الكاتب من درهم أو ريال على ما ينشر؟ وهل تحكم كاتب، باستثناء قلة قليلة اشتهرت، في عدد الطبعات التي خضعت لها كتبه؟ مجال النشر والناشرين في العالم العربي سارت بذكر مثالبه الركبان. ولو أن الإنترنت يؤثر سلبا في دَور الناشر لثار عليه الناشرون في العالم قاطبة. وهذا ليس حاصلا. اسمع ما قاله دوني أوليفين (Denis Olivennes)، مدير مجلس إدارة شركة الفناك الفرنسية، حين سُئل: "هل أصبح المكتوب مهددا؟"، وهذا السؤال بالمناسبة لا يثار بحدة تزيد عن اللزوم إلا في فرنسا، أجاب من غير تردد قائلا: "لا أعتقد ذلك، العكس ربما هو الصحيح. لم يسبق للناس أن كتبوا وقرأوا هذا العدد الهائل من الكتب إلا بعد ظهور الإنترنت. فإذا كنا نستطيع القول قبل ظهور الإنترنت إن المكتوب كان مهددا بسبب ظهور الوسائط السمعية البصرية، فإننا لا نستطيع أن نقول ذلك البتة مع الإنترنت".
الناشرون والعاملون في قطاع الكتاب والنشر تعايشوا مع الوضع، وطوروا أدوات وأساليب ملائمة للإبقاء على التقاليد الكتابية والقرائية المتعارف عليها باستخدام الإعلاميات نفسها. الناشرون بالمناسبة ليسوا تجارا بالمعنى المتعارف عليه عند عموم الناس. التجارة في عملهم ليست سوى مكون من مكونات أخرى كثيرة. وهذا الذي ذكرته عن أن سوق الكتاب الورقي لم يتأثر تجده أيضا واضحا في التقارير المتصلة بالمعارض الدولية في بقاع العالم المتقدم كلها. فعندما يكون لديك جمهور متعلم، وقع تدريبه على أن يقرأ في كل مكان، في المقهى وفي الحافلة وفي الحديقة وفي قاعات الانتظار، فضلا عن البيت، ويعمر المكتبات العمومية بكثافة، لا يمكن أن يكون الكاتب ولا الناشر منزعجين. المشكل كما أسلفت متصل بتنمية الإنسان، أي بالرفع من مستواه على جميع الصعد وتأهيله، وليس بالإنترنت، أو الهاتف المحمول، أو بوجود الماء المالح في البحر...
المشكل في رأيي هو أن بقاءنا (بالمعنى الدارويني للبقاء) صار مرتبطا ارتباطا أوثق من أي وقت آخر مضى بإنجاز التنمية التي صرنا نتحدث، بل نُطْنِب في الحديث عنها أكثر مما نعمل من أجلها. وهذه التنمية يجب أن تطال الإنسان، وليس البشر فقط. يجب أن ننتقل من تنمية البشري فينا إلى تنمية الإنساني. يجب على الثقافة المغربية، بمكوناتها السياسية والفكرية والفنية، أن تنتج سردية أو حكاية جديدة عن المغرب المعاصر، حكاية يتشوق الشباب المقبلون على الحياة إلى أن يلعبوا فيها دور الأبطال. فالأوطان هي في حد ذاتها حكايات (nations are in themselves narrations)، كما كان الراحل إدوارد سعيد يردد. الخطورة التي يمكن أن يمثلها السيل المعلوماتي العارم الذي يأتي من الإنترنت هي خطورة تتوقف على تماسك حكايتنا عن أنفسنا وأخذ بعضها بعناق بعض. وتماسك الحكاية، كما تعلم، يلعب فيه المثقفون والمفكرون والفنانون والصحفيون، نساء ورجالا، دورا بارزا يفوق، على الأرجح ، دور السياسيين والخبراء ورجال الأعمال. فانكفاء المثقف المغربي الحداثي على المكتوب والمرسوم في الأوراق دون سواه سيفاقم غربته، وسيعيق انتشاره، وسيخل بدوره الرئيس في صوغ الوجه الإنساني الأصيل للحكاية المغربية.
نحن اليوم في أمس الحاجة إلى سردية أو حكاية قوية جدا عن المغرب (حكاية سياسية وحقوقية واقتصادية واجتماعية وفكرية متماسكة وقابلة للحياة) تعيد إلى الشباب الثقة بالنفس وبالمستقبل، وتزودهم بما يحفز على الإقبال بنهم على الحياة. ما يبينه الإنترنت بالملموس، حتى نكون صرحاء، هو أن البلدان التي تفتقر إلى حكايات متماسكة ومندمجة، تشد من أزرها، يعاني مواطنوها إنهاكا فادحا في الهوية... وأشد ما تخشاه الدول أو الحكومات في هذه البلدان اليوم هو أن يسارع مواطنوها، من الشباب خاصة، إلى حيازة هويات أخرى، هويات تحيل على حكايات قومية أو دينية أو مذهبية أو سلوكية غريبة توجد معروضة في كل ناحية من نواحي الفضاء الافتراضي السَّيار الذي ترعاه الإنترنت. فالأسف الذي يبديه بعض المثقفين أو بعض الناشرين على الكتاب الأنيق والمزخرف، لا أعتقد أنه أسف في محله، بالنظر إلى هول التحديات الحقيقية المطروحة علينا وعلى العالم اليوم. المشكل الحقيقي في رأيي أبعد من أناقة طبع الكتاب ونوع ورقه أو زخرفه. علينا باختصار أن نعي أننا نعيش في مجتمع الخطر أو المجازفة، ولا يمكننا أن نتدارك المشاكل التي نتخبط فيها، والتي سيزداد هولها مستقبلا، بالإعراض عن العالم والانزواء في الأركان. يجب على العكس من ذلك أن نواجه هذه المشاكل، ونستعمل في حلها الوسائل المتاحة هنا والآن نفسَها. فهناك حيث الداء يوجد الدواء. وفي المغامرة أيضا قدر لا يستهان به من النجاة.