15‏/06‏/2014

الدال الفارغ




إرنيسطو لاكلو
"مقولة 'الدال الفارغ أو العائم' تعد الأساس الذي يهيكل الخطاب ويسنده عند لاكلو. فبمقتضى هذه المقولة يصبح المجال الاجتماعي، في نظرية الخطاب التي يقترحها لاكلو، مفتوحا على الدوام لا يقبل الإغلاق، وتصبح الممارسات السياسية بصراعاتها وتجاذباتها واستقطاباتها وتوتراتها محاولاتٍ أو اجتهاداتٍ تروم ملء الفراغ والتَّوْق إلى الإغلاق. بعبارة أوضح، يريد لاكلو أن يشير إلى أن إغلاق الاجتماعي والإطباق عليه حتى وإن كان غير قابل للتحقيق في أي مجتمع قائم، يظل مع ذلك هاجسا يفعل فعله في نفوس الأفراد والمجموعات بوصفه مثالا أو مبتغى مستحيلا".


*- مقالي 'ما بعد الماركسية' ضمن كتاب 'خطابات الـ 'ما بعد' '. إشراف وتقديم د. علي عبود المحمداوي. (ضفاف، الاختلاف، دار الأمان 2013، ص 110-111)

عن الفضاء العمومي: تعريف موسع




ي. هابرماس
"يشير الفضاء العمومي عند هابرماس إلى مجالات التواصل القائمة في المجتمع، أي إلى المجالات التي تسمح بتبادل الأخبار والأفكار والآراء وتداولها وتمحيصها من أجل تكوين ما يسمى بالإرادة العامة أو صوغ ما يسمى أيضا بالرأي العمومي. يقول هابرماس في تعريف عام وشامل: "نقصد بالفضاء العمومي في المقام الأول مجالا من مجالات حياتنا الاجتماعية يتشكل فيه شيء يقترب مما نسميه بالرأي العمومي. ولوج هذا المجال يكون متاحا ومضمونا بالنسبة إلى المواطنين كافة. وتبرز اللحظة من الفضاء العمومي مع كل نقاش ينعقد بين أفراد خصوصيين حول قضايا تعنيهم أو تؤرقهم بوصفهم كيانا عموميا. فهم في هذا الوضع (أي بوصفهم كيانا عموميا) لا يتصرفون تصرف رجالِ أعمال أو أصحابِ مهن يتداولون في أمور أعمالهم أو مهنهم الخاصة، ولا تصرّفَ أعضاء ينتمون إلى نظام الدولة الرسمي حيث يكونون خاضعين للقيود القانونية التي تفرضها بيروقراطية الدولة. لا يتصرف المواطنون بوصفهم كيانا عموميا إلا عندما يَتَّجهون دون تقييد إلى الخوض في قضايا المصلحة العامة. والمقصود بعدم التقييد هنا أن حرية التجمع والمشاركة والتعبير عن الآراء ونشرها تكون متاحة ومضمونة".
ينطوي هذا التعريف، الذي وصفناه بالعام والشامل، على أمور كثيرة يستلزمها مفهوم الفضاء العمومي. من أبرزها أن هذا الفضاء مستقل عن الدولة وعن الاقتصاد. وبما أنه فضاء عمومي فإنه يكون مستقلا بالتبعية عن الأسرة أيضا. إنه فضاء يَلِجُه المواطنون إذن عندما يتخلصون أو يتناسون انتماءاتهم إلى الأسرة وإلى الاقتصاد وإلى الدولة. وهو فضاء مفتوح وُلوجُه أمام المواطنين كافة، أي فضاءٌ للمشاركة حرٌّ لا يمكن أن نتصور قيامه إلا في إطار مجتمع ديمقراطي. وعلى الرغم من أن اصطلاح الفضاء يحيل في بعض معانيه اللغوية على المكان المادي، فإن التعريف لا يربطه بمكان بعينه أو يحصره فيه (كالبرلمانات مثلا)، بل يجعله ملازما للعلاقة التواصلية التي تربط الناس بَعضَهم ببعض. نكون بإزاء الفضاء العمومي، كما قال هابرماس، "مع كل نقاش ينعقد بين أفراد خصوصيين حول قضايا تعنيهم أو تؤرقهم بوصفهم كيانا عموميا". فهو فضاء ينشأ 'بين الناس' كلما انخرطوا في نقاش أو تواصلوا بشأن قضايا المصلحة العامة التي تعنيهم من حيث إنهم كيان عمومي. إنه بهذا المعنى فضاء محمول إذا شئتم، يَصحب الناس ويحل معهم أينما حلوا وارتحلوا. صفة العمومية المنسوبة إلى هذا الفضاء لها أيضا أهمية تاريخية وسياسية لا تخطئها العين. صفة العمومية تشير إلى هذا الفضاء من جهة كونه فضاءَ ظهورٍ وبروز وعلنية، كما تُلمع أيضا، ولو من طرف خفي، إلى أن النقاش الذي يدور فيه لا يكون دالا ومؤثرا إلا إذا استند إلى مبدأ المعلومة العمومية، وهو مبدأ كان يلزم في الماضي الفيودالي الاقتتال من أجل انتزاعه في ظل السياسات المستغلقة التي كانت تتبعها الدول آنذاك. فبمقتضى هذه العمومية الملازمة بات بإمكان هذا الفضاء أن يكون قلعةَ مراقبةٍ ديمقراطيةً حصينةً للأنشطة التي تقوم بها الدولة".


*- من مقالي: "الفضاء العمومي بين الإجماع والمنازعة". ضمن كتاب الفرجة والمجال العمومي. إشراف وتنسيق خالد أمين. منشورات المركز الدولي لدراسات الفرجة 2014. ص 20- 22. (نُشر المقال في صيغة أخرى ضمن كتاب الماركسية الغربية وما بعدها، إشراف وتنسيق د.علي عبود المحمداوي. منشورات ضفاف والاختلاف ودار الأمان 2014)