18‏/10‏/2013

الرقص عند فاليري


الرقص عند فاليري يفصل بين حياتين: الحياة العادية اليومية، حيث يكون لكل حركة أو فعل دور يؤديه ووظيفة يقوم بها، وبين الحياة الخالصة أو العارية عن كل غاية عملية أو قصد معاشي. الرقص مشتق من هذه الحياة الأخيرة ومقرون بها أشد ما يكون الاقتران. إنه يعبر عن فائض القوة والطاقة الذي نملك وعن غزارة (surabon-dance) الأحاسيس التي لا نعرف جهة نصرفها إليها. يقول فاليري في هذا الشأن: "لقد اهتدى الإنسان إلى أنه يملك من القوة والمرونة والإمكانات المفصلية والعضلية أكثر بكثير مما يحتاج إليه لتلبية ضرورات معاشه.. إن لنا من الطاقات ما يزيد كثيرا عن حاجاتنا.. نستطيع أن نأتي بعدد لا حصر له من الأفعال التي لن يكتب لها الحظ في أن تعثر لها على وظيفة تؤديها في العمليات الضرورية أو الحاجية التي تتطلبها الحياة..".


Pouillaude Frédéric, dans « Un temps sans dehors : Valéry et la danse », Poétique, 2005/3 n° 143, p. 359-376, p. 366-367.

17‏/10‏/2013

عن الجسد والكلام والحب



تقول باتلر:

"ما هي العلاقة القائمة يا ترى بين الكلام والجسد في هذا السياق؟ أعتقد أن من المفيد لنا أن نتذكر، كما بينت ذلك شوشانا فيلمن، أن فعل الكلام عند الجهر به وإصداره يأتي منسابا من الفم والحلق. فالجسد لا يكون هنا مجرد سند أو حامل لفعل الكلام، بل يكون شيئا مجسدا ماثلا هو نفسه في القول. جسدنا لا يكون موجودا هنا بوصفه معطى فضائيا زمانيا، بل يكون معطى مكشوفا ومعروضا ومصوغا في فعل الكلام الذي ينبثق منه إما في صيغة صوت أو نص وإما في صورة مرئية. 'الجسد' ليس جوهرا قائم الذات. إنه على الأرجح صيغة تسجل اتساع وامتداد علاقاتِنا كلها. والجسد من حيث إنه كذلك، يكون موجودا هناك في صيغة كلمات منطوقة أو مكتوبة حتى من حيث إنه ليس هناك، أي حتى من حيث إنه هنا وليس هناك. بعبارة أخرى عندما نعول على اللغة في إبلاغ أحد آخر بأننا نحبه يكون الجسم في هذه اللحظة مكشوفا ومحجوبا. نكون في وضع مازلنا فيه هنا ننتظر مفصولين عن الشخص الآخر، لكننا نكون في الوقت ذاته قد غادرنا أنفسنا ويممنا وجوهنا مُقْبلين نحو الآخر وأرسلنا إليه علامة جسمانية ما تنبئ عن استعدادنا العاطفي إلى حبه، علامة هي نفسها صيغة من صيغ الحب يكشف عنها الجسم نفسه ويرسلها إليه".


Judith Butler “Response: Performative Reflections on Love and Commitment. WSQ: Women’s Studies Quarterly 39: 1 & 2 (Spring/Summer 2011), pp. 236- 239, p. 237.



15‏/10‏/2013

ضريبة المعرفة أو رحلة السقوط



... لننظر في الصلة القائمة بين القط طوم في أفلام الكرتون الشهيرة وسقوط الرئيس التونسي بن علي. يذكر جيجيك أن لدى المحلل النفسي جاك لاكان رأيا يقضي بأن "المعرفة قائمة في ما هو واقعي". وقد يلوح للوهلة الأولى أن هذا الكلام يدخل في باب السفسطة البعيدة عن الواقع الفعلي الذي نعرفه أو ألفناه في تجربتنا العادية [...]. وبالفعل فالفكرة التي تقول إن الطبيعة تعرف قوانينها وتسلك تبعا لها، كما لو أن تفاحة نيوطن الشهيرة لم تسقط إلا لأنها تعرف قانون الجاذبية، تبدو فكرة غريبة حقا. لكن جيجيك يرى أن هذه الفكرة حتى وإن بدت شاذة وغريبة وغير متماسكة فإننا نستغرب من كونها تتردد باستمرار وبكيفية مطردة في أفلام الكرتون التي تفتننا. فالقط طوم المتميز من الغيظ، الذي يطارد بوحشية الفأر جيري، لا ينتبه إلى الهوة السحيقة أمامه. إنه لا ينتبه إليها حتى عندما تكف الأرض عن أن تكون تحت أقدامه. يواصل غير مبال مطاردته للفأر الماكر من دون أن يقع. في هذه اللحظة بالتحديد التي يكون فيها القط معلقا بين السماء والأرض يكون الواقعي قد نسي أي قانون سيتبع: قانون سقوط الأجسام أم قانون الطيران. لا يسقط القط إلا حين ينظر تحته ويعرف أنه قد خلف الأرض وراء ظهره. آنذاك يتذكر الواقعي قانونه ويشرع في اتباعه، فيبدأ القط رحلة السقوط..
متى سقط بن علي؟ إنه كان بدوره معلقا بين السماء والأرض قبل أن يسقط سقطته الأخيرة التي نقلتها وسائل الإعلام وسجلها التاريخ. لقد كفت الأرض عن أن تكون تحت أقدامه منذ اللحظة التي أحرق فيها البوعزيزي نفسه، أو ربما قبل هذا بوقت طويل أو قصير بسبب سياساته التسلطية. لكن السقوط الذي سجله التاريخ وشاهدناه بالعين المجردة لم يقع إلا حين أعلن في خطابه الشهير قائلا: 'فهمتكم، إيه نعم، فهمتكم!'، أي لم يسقط السقوط المدوي مثل طوم إلا حين عرف كما عرف طوم أن الأمر قد انتهى وأن رحلة السقوط يجب أن تبدأ (يصدق هذا على مبارك أيضا، الذي انتقلت خطاباته أثناء الثورة قبل سقوطه من الغلظة المبنية على الجهل إلى المعرفة شيئا فشيئا، حتى اهتدى إلى أنه لم يكن 'ينتوي' الترشح لمنصب الرئاسة ! وهو أمر لم يكن معلوما في السابق). فحين تحصل المعرفة ويصبح لدى الكائن فائضُ قيمةٍ معرفيٌّ، آنذاك يلفي الكائن نفسه مضطرا إلى أن يؤدي عن هذا الفائض ضريبةً من صميم كيانه، كأن يَلقى حتفه مثلا أو يفقد سلطته..الخ. يقول جيجيك: "إننا نصادف في 'الواقع النفسي' سلسلة من الكيانات لا يكون لها وجود حقيقي إلا بسبب خطأ معين في كيفية تعرف ذلك الواقع وإدراكه (misrecognition)، كأن لا تكون الذات قد عرفت شيئا معينا، أو أن يكون شيء ما قد ظل خارج نطاق الكلام ولم يقع إدراجه في العالم الرمزي. لكن بمجرد ما تتوصل الذات إلى 'معرفة الكثير'، فإنها تؤدي الثمن عن هذه الكثرة وهذا الفائض من المعرفة من صميم نفسها ومن كيانها".


*- من مقالي (سلافوي جيجيك) بـ: موسوعة الفلسفة الغربية المعاصرة. منشورات ضفاف، الاختلاف، دار الأمان. 2013.