11‏/06‏/2012

عن السياسي

كارل شميت


" 'السياسي' (The Political)، بمعنى الاسم لا بمعنى الصفة، اصطلاح استعمله شميت وحنا آرنت، وشاع استعماله بعد ذلك بين المفكرين الآخرين، وخصوصا أولئك الذين يتبنون أطروحات ما بعد الحداثة ويدافعون عنها. و'السياسي' في اصطلاح شميت وآرنت يُطلق ويراد به الإشارة إلى بعد متميز ومخصوص من أبعاد التجربة الإنسانية. فهو عند شميت (1932 [1976]) يشير إلى مجالات الفكر والعمل البشريين التي تكون موسومة بخلافات 'وجودية' أو تعارضات جوهرية. والخلاف أو التعارض الجوهري المميز للسياسي بهذا المعنى هو ما يصفه شميت بالتعارض بين الصديق والعدو (ص: 26- 28). عندما نتلاهي ونرد السياسي إلى الاقتصادي مثلا، فإننا لا نكون حينئذ قد حططنا من قيمة السياسي إذ رددناه إلى الاقتصادي، بل نكون قد حكمنا خطأ بأنه لا يوجد شيء مخصوص يميز المجال السياسي ويفصله عن غيره (ص: 28، 69- 72).

أما حنا آرنت فتتصور السياسي هي أيضا من حيث إنه مجال متميز من مجالات الحياة؛ بيد أن تخصيصها للسياسي لا يشبه إلا قليلا التخصيص الذي يقترحه شميت. فآرنت ترى أن المجال العمومي (السياسي) يجب أن يظل منفصلا عن المجالين الخصوصي والاجتماعي. والمجال العمومي عندها هو محل السياسي أو مأواه. ففي هذا المجال وحده يمكن للناس أن يتظاهر بعضهم لبعض على نحو يبرزون فيه فردانيتهم ويثبتون في الوقت نفسه ما يتقاسمونه ويشتركون فيه. فما يكون ممكنا في (المجال) السياسي ـ الفعل أو السلطة (وتعني آرنت بالسلطة الفعل بالمعية، أي الفعل الذي يقوم به الجم الغفير أو الجمع من الناس) ـ لا يكون كذلك، حسب آرنت في باقي مجالات الحياة الإنسانية الأخرى. فالقضايا التي تشغل بال الناس في المجال السياسي تختلف جوهريا عن القضايا الأخرى كقضايا سد الحاجات الضرورية مثلا أو قضايا تدبير البيوت والعناية بها".
حنا آرندت

Emily Hauptmann ‘Local History of The Political’ in Political Theory Vol. 32 No. 1, February 2004. 34-60, p. 36- 37

سردية الحقيقة




"... يحلو للاتجاه شبه النيتشي الذي عاود الظهور مؤخرا أن يردد: ليست الحقيقة سوى الكذبة الأكثر نجاعة التي تمكننا من فرض إرادتنا للسلطة. والسؤال الحقيقي الذي يتعين وضعه بشأن قول من الأقوال ينبغي ألا يكون في نظر هذا الاتجاه: 'هل هذا القول يعبر عن الحقيقة؟'؛ بل 'ضمن أي شروط سلطوية يمكن إصدار هذا القول أو ذاك؟'. وهكذا عوض أن نكون بإزاء حقيقة كونية، نصبح أمام مجموعة متنوعة من المنظورات، أو كما بات يقال اليوم، نصبح أمام مجموعة متنوعة من السرديات. لا أقصد هنا سرديات الأدب فحسب، بل سرديات السياسة، والدين، والعلم أيضا. كل هذه السرديات والقصص المختلفة نقولها ونرويها نحن عن أنفسنا. أما الهدف الأقصى الذي تتطلع إليه الأخلاق في هذا التصور فهو أن تضمن قيام فضاء محايد يسمح لمجموعة السرديات المتنوعة أن تتعايش فيه بسلام، ويكون من حق كل واحد في هذا الفضاء، سواء أكان من أقلية إثنية أم جنسية أم غيرها، أن يروي قصته ويكشف عنها [يحيل جيجيك هنا على رورتي وسينجر]".



Slavoj Žižek. ‘A Plea for Leninist Intolerance’ in Critical Inquiry, Vol. 28, No. 2. (Winter, 2002), pp. 542-566, p. 547