27‏/06‏/2006

الثقافة والأمن في المتوسط

الثقافة والأمن في المتوسط

تذهب رافاييلا ديل سارتو(2005: 320)، في الأجندة الثقافية التي تقترحهاللفضاء المتوسطي، إلى أنه على الرغم من التنوع الثقافي الذي تتميز به المنطقة الأورومتوسطية، ينبغي أن لا ننساق ونسجن أنفسنا في التعاريف الضيقة والمحصورة الشائعة حول "ثقافات" هذه المنطقة. فالتنوع الحاصل بين شعوب هذا الفضاء لا يلغي اقتسام هذه الشعوب عددا من القيم المشتركة (قيم العيش المشترك كالديمقراطية وحقوق الإنسـان والتسامح...الخ). ليس هناك، في نظرها، غرب متجانس وموحد تستغرقه ثقافة واحدة خاصة ومنغلقة؛ كما أنه ليس هناك عالم عربي في الضفة المقابلة للغرب متجانس وموحد تهيمن عليه ثقافة واحدة موحدة. بل إن "الإسلام" نفسه دين يقع على تأويلات شتى وعلى مذاهب لا حصر لها، تمضي من طرف مسرف في الترخيص والانفتاح، إلى طرف موغل في التشدد والتزمت، مثله في ذلك مثل اليهودية والمسيحية. لهذا السبب يتعين الفصل في المنطقة الأورومتوسطية بين الخرائط التي تُعلّم الحدود السياسية، والخرائط التي ترسم الحدود الثقافية. بعبارة أوضح ينبغي إعادة رسم الخرائط الثقافية على نحو يراعي اشتراك المجموعات التي تعيش في هذه المنطقة في الدفاع عن القيم نفسها. إعادة رسم الخرائط الثقافية من هذا المنظور يعد، في نظر ديل سارتو، أمرا رئيسا في تقريب الرؤى بين الضفتين وفي إسناد الشراكــــة المعطوبة التي تنظر إلى المنطقة من منظور سياسي أمني خالص. فالأصوليون أو المحافظون الفرنسيون والمغاربة والإيطاليون والجزائريون والأتراك يتقاسمون فيما بينهم قيما كثيرة لا يتقاسمها كل منهم مـع مجموع أهل بلده. والشيء نفسه يقال عن المعتدلين في هذه البلدان أو الليبراليين. فالنظرة إلى المنطقة الأورومتوسطية من هذا المنظور المتحرر من شأنها أن تؤثر تأثيرا حاسما في السياسة الدولية لجهة التفاهم واستتباب السلم وقيام الرفاه في المنطقة. إنها ستخرجنا من ضيق التعاريف المتوارثة التي تعمد إلى استعمال كلمات مبهمة وملتبسة كـ "الغرب" أو "العرب" أو "الإسلام" وتضع تحتها الأخضر واليابس دون أدنى تمحيص أو تقييد. فالإصرار على تعريف الثقافات في المنطقة الأورومتوسطية من منظار التضارب بين الإسلام والغرب، أو بين الشمال والجنوب، سيفاقم مشكل الإقصاء المتبادل، وسيزيد من تكريس انغلاق ثقافات المنطقة على نفسها.

Del Sarto, R. A (2005) « Setting the (Cultural) Agenda: Concept, Communities and Representation in Euro-Mediterranian Relations», in Mediterranean Politics. Vol. 10, No. 3, November, pp. 313- 330

ليست هناك تعليقات: