01‏/03‏/2012

الإنسان والعالم


حين سُئل ديوجينيس الكلبي عن أصله ما هو، أجاب بلا تردد بأنه "مواطن من العالم" (انظر ديوجينيس لاييرتيوس (1925: 64))، فضرب صفحا بهذا الجواب عن التعريف بنفسه انطلاقا من الروابط المحلية الضيقة، كمسقط الرأس أو السكة أو القرية أو المدينة، وقدم نفسه بأنه مواطن من العالم، هكذا بإطلاق غير معهود.

لم يكن ديوجينيس يقصد بجوابه هذا في الغالب إنكار أصله أو فصله أو التنصل من وشائج القربى التي تربطه بأهله وذويه؛ بل كان يريد على الأرجح أن يلفت الانتباه إلى صلة أكثر عمقا وأبعد غورا يقيمها كل إنسان بالعالم من حيث إنه كذلك، أي من حيث إنه يعلو ويشمل ما يقع تحته من مَحَال أو فضاءات جزئية وعارضة كمسقط الرأس أو الأسرة أو القبيلة أو البلدة. فالكوسموبولتي، أو المواطن العالمي، بهذا المعنى الذي أشار إليه ديوجينيس في جوابه، يجسد كونية العقل الذي يتميز بتعاليه في أحكامه عن الجزئي والخاص وتخطيه الظرفيَ والطارئ.

كان ديوجينيس يرى أننا في واقع الأمر نعيش كلنا في جماعتين اثنتين: جماعتنا المحلية التي ولدنا فيها، وجماعة الإنسانية التي نعثر فيها على تطلعاتنا ونطور في نطاقها استدلالاتنا. وهذه الجماعة الأخيرة كما عبر عن ذلك الفيلسوف الرواقي سينيكا "تعد الأكبر والأكثر اشتراكا بيننا، بحيث لا نلتفت فيها إلى هذه الزاوية أو تلك، بل نقيس حدود وطننا فيها بما تشرق عليه الشمس" (انظر نوسباوم (1997: 6)).

Laërtius, Diogenes (1925) “Diogenes,” in Lives of Eminent Philosophers, Vol. II. With English translation by R. D. Hicks. London: William Heinemann, pp. 22-85.

Martha Nussbaum (1997) “Kant and Stoic Cosmopolitanism” The Journal of Political Philosophy: Volume 5, Number 1, 1997, pp. 1-25


ليست هناك تعليقات: