08‏/03‏/2012

إليزابيث تهاجم ديكارت



حين نشر ديكارت تأملاته، في نسختين سنة 1641 وسنة 1642، وُوجه بتحديات كثيرة تتصل بآرائه عن خلود النفس البشرية، وعن اختلاف النفس عن البدن، وعن قضايا أخرى كثيرة فصل القول فيها تفصيلا في ثنايا الكتاب. ولعل أبرز تحد واجهه ديكارت ذاك الذي صاغته صديقته إليزابيث، أميرة بوهيميا، في رسالة بعثتها إليه على جناح السرعة بعد أن قرأت الكتاب وأعادت قراءته، تتساءل فيها عن جدوى الطريقة الجديدة التي سنها في الحديث عن الذهن والبدن، وعما إذا كان بإمكان هذه الطريقة أن تمكن حقا من تفسير تجاربنا الذهنية بكيفية تفضل ما كان رائجا في فلسفة القرون الوسطى لدى النظار من أهل المدارس. تقول إليزابيث في رسالتها المؤرخة بـ (16 ماي 1643):
"كيف يمكن للنفس البشرية، التي لا تزيد عن كونها جوهرا مفكرا، أن تحدد حركة الأرواح الحيوانية، وتؤدي بذلك إلى حصول الفعل الإرادي؟ يلوح لي كما لو أن كل تحديد للحركة ينتج عن العوامل الثلاثة الآتية: دفع الشيء ليتحرك، ثم الطريقة التي دفعه بها الشيء الذي حركه، ثم كيفية وهيئة مساحة هذا المحرك. العاملان الأول والثاني يستلزمان الاحتكاك، أما العامل الثالث فيستلزم الامتداد. إنك أبعدت الامتداد كليا (تماما) عن تصورك للنفس، ويهيأ لي أن الاحتكاك لا يتلاءم مع كونها شيئا غير مادي. وهذا هو الذي يلح علي ويحثني على أن أطلب منك حدا أكثر دقة للنفس مما أتيت على ذكره في ميتافيزيقاك، أي حدا لجوهر النفس عندما يكون مفصولا (أو متوقفا) عن فعل التفكير".
استند الجواب الذي صاغه ديكارت إلى رأي مفاده أننا لا نملك إلا عددا محصورا من المفاهيم التي يمكن أن نلجأ إليها وننجح في تفسير الظواهر التي تكشف عنها المقولات المختلفة. واقترح في رسالة كتبها (يوم 21 ماي 1634) أن هناك خاصيتين مختلفتين اثنتين تتميز بهما النفس تتطلبان التفسير: "إحداهما أن النفس تفكر، والثانية أن اتحادها بالبدن يجعلها تفعل في البدن وتنفعل به".
إن الأميرة إليزابيث لم تقتنع بجواب ديكارت؛ لذلكم نجدها تعيد صوغ شكوكها في رسالة خطتها في (20 يونيو 1643) تعترف فيها قائلة: "من السهل علي أن أنسب المادة والامتداد إلى النفس، ولا أنسب القدرة على تحريك البدن والتحرك بسببه إلى موجود غير مادي".

ليست هناك تعليقات: