13‏/04‏/2012

اليهودي والأب



غالبا ما يقع التمييز في التحليل النفسي بين ما يسمى بمنطق الأب ومنطق اليهودي في الحديث عن مفهوم الخصاء. فالأب يقبل الخصاء على عكس اليهودي. العلاقة بالأب تكون عبر صيغتين صيغة معرفية وصيغة اعتقادية. في الصيغة المعرفية أعرف أن أبي شخص له ما له، وعليه ما عليه، يأكل الطعام ويمشي في الأسواق كغيره من الناس. لكنني في صيغة الاعتقاد أنظر إلى أبي نظرة تقضي بأن له سلطةً رمزية. أبي، كشخص واقعي، لا يرقى في هذه الحالة إلى اسمه، أي لا يرقى إلى دوره الرمزي. الأب الواقعي هنا، مثل اليهودي الواقعي الذي كان مكروها في أوروبا، ليس سوى تجسيد ناقص لفاعلية متخيلة غير واقعية. فكما أن الأب الواقعي لا يتعدى كونه سندا لفاعلية السلطة الرمزية، فكذلك اليهودي الواقعي لا يتعدى كونه سندا للوجه المتخيل أو الاستهامي لليهودي الذي يكرهه الأوروبي. (هايدجر أقسم الأيمان المغلظة في حوار الدير شبيغل الشهير على أنه لم يقطع صلته بأستاذه اليهودي هوسيرل، على الرغم من خلافهما، وأن زوجته ظلت تتصل بزوجة هوسيرل وتبعث إليها الرسائل في الأعياد) فالمكروه ليس الشخص الواقعي بل الوجه المتخيل أو الاستهامي.

عندما ننظر إلى الأب واليهودي من منظار قبول الخصاء نلفي الأب يقبله على عكس اليهودي. فالأب لكي يمارس سلطته الأبوية يتعين عليه أن يقبل الخصاء، أي يتعين عليه أن يخضع لنوع من التحول الجوهري فيقبل بأنه ليس هو نفسه من يفعل، بل يفعل بوصفه وكيلا لقوة رمزية أعلى هي اسم الأب. الآخر الأكبر هو الذي يتكلم على لسانه ويفعل أفاعيله ببدنه. ففي الوقت الذي تكون فيه صاحب سلطة تكون دائما خارج طورك، لأنك لا تكون أنت نفسك تلك السلطة. إنك تكون مجرد حامل أو سند تحضر عبره السلطة الرمزية الغائبة. تكون مفعولا بك في فاعليتك ذاتها. منطق اليهودي، في السياق الأوروبي، يختلف كثيرا في هذه النقطة بالتحديد. فبقدر ما كان الأوروبيون يحتقرون اليهودي ويضطهدونه في الواقع، كانت سلطته تزداد وقوته تتعاظم وفحولته تشتد؛ اليهودي في ذلك السياق كان غير قابل للخصاء، لأن الأوروبيين كانوا يظنون أن اليهودي يظل، حتى وهو مضطهد ومحتقر، وراء كل المؤامرات الكبرى والأفاعيل الدنيئة والدسائس. منح السلطات الفرنسية الجنسية وسحبها ثم منحها لليهود في الجزائر، كما أشار إلى ذلك ديريدا، يعد دليلا واضحا على تخبط الأوروبي في تعامله مع اليهودي..

ليست هناك تعليقات: