09‏/08‏/2012

الأميرة والفيلسوف أو إليزابيت وديكارت






حين نشر ديكارت تأملاته، في نسختين سنة 1641 وسنة 1642، وُوجه بتحديات كثيرة تتصل بآرائه عن خلود النفس البشرية، وعن اختلاف النفس عن البدن، وعن قضايا أخرى كثيرة فصل القول فيها تفصيلا في ثنايا الكتاب. ولعل أبرز تحد واجهه ديكارت ذاك الذي صاغته صديقته إليزابيث، أميرة بوهيميا، في رسالة بعثتها إليه على جناح السرعة بعد أن قرأت الكتاب وأعادت قراءته، تتساءل فيها عن جدوى الطريقة الجديدة التي سنها في الحديث عن النفس والبدن، وعما إذا كان بإمكان هذه الطريقة أن تمكن حقا من تفسير تجاربنا الذهنية أو النفسية بكيفية تفضل ما كان رائجا في فلسفة القرون الوسطى لدى النظار من أهل المدارس. تقول إليزابيث في رسالتها المؤرخة بـ (16 ماي 1643):
"كيف يمكن للنفس البشرية، التي لا تزيد عن كونها جوهرا مفكرا، أن تحدد حركة الأرواح الحيوانية، وتؤدي بذلك إلى حصول الأفعال الإرادية؟ يلوح لي كما لو أن كل تحديد للحركة ينتج عن العوامل الثلاثة الآتية: دفع الشيء ليتحرك، ثم الطريقة التي دفعه بها الشيء الذي حركه، ثم كيفية وهيئة مساحة هذا المحرك. العاملان الأول والثاني يستلزمان الاحتكاك، أما العامل الثالث فيستلزم الامتداد. إنك أبعدت الامتداد جملة وتفصيلا عن تصورك للنفس، ويهيأ إلي أن الاحتكاك لا يتلاءم مع كونها شيئا غير مادي. وهذا هو الذي يلح علي ويحثني على أن أطلب منك حدا أكثر دقة للنفس مما أتيت على ذكره في ميتافيزيقاك، أي حدا لجوهر النفس عندما يكون مفصولا (أو متوقفا) عن فعل التفكير".
استند الجواب الذي صاغه ديكارت إلى رأي مفاده أننا لا نملك إلا عددا محصورا من المفاهيم التي يمكن أن نلجأ إليها وننجح في تفسير الظواهر التي تكشف عنها المقولات المختلفة. واقترح في رسالة كتبها (يوم 21 ماي 1634) أن هناك خاصيتين مختلفتين اثنتين تتميز بهما النفس تتطلبان التفسير: "إحداهما أن النفس تفكر، والثانية أن اتحادها بالبدن يجعلها تفعل في البدن وتنفعل به" واعترف قائلا: "إنني لا أملك تقريبا شيئا أقوله عن الخاصية الأخيرة [تفاعل النفس والبدن]، وإنما اكتفيت بالاجتهاد في شرح الخاصية الأولى وإيضاحها، لأن غرضي الرئيس كان ينحصر في البرهنة على التمييز بين النفس والبدن، وهذا الغرض تحققه الخاصية الأولى، أما الثانية فتكاد تقوضه". ثم انخرط بعد ذلك في ذكر انطباعاته العامة عن الخاصية الثانية لعله يقنع الأميرة.
لكن الأميرة لم تقتنع بجواب ديكارت؛ لذلكم نجدها تجهز ردا تعيد فيه صوغ شكوكها وذلك في رسالة خطتها في (20 يونيو 1643) تعترف فيها قائلة: "من السهل علي أن أنسب المادة والامتداد إلى النفس، ولا أنسب القدرة على تحريك البدن والتحرك بسببه إلى موجود غير مادي"، كاشفة بذلك عن نزعة مادية صريحة.

Bennett, Jonathan (2001) Learning from Six Philosophers: Descartes, Spinoza,Leibniz, Locke, Berkeley, Hume Volume 1. Oxford: Clarendon Press.
Descartes, René. (1989) Correspondance avec Elisabeth et autres lettres, éd. Jean-Marie Beyssade, Michelle Beyssade, Paris, Flammarion.

ليست هناك تعليقات: