07‏/12‏/2014

هيجل وفوكو: مراجعة مختصرة



توجد فروق كثيرة بين فينومنولوجيا هيجل وجينيالوجيا فوكو: هيجل ركز في فينومنولوجياه على تجربة الإنسان الشعورية، في حين استند فوكو في منهاجه إلى جينيالوجيا الأخلاق النيتشية التي ترسم الأصول لكي تثير الشبهات حول الاعتقادات الراسخة في الشعور والقيم الوازنة في المجتمع؛ هيجل من جانبه كان مفكرا حداثيا يعول على النسق إطارا للتفلسف، كما اقترن فكره اقترانا وثيقا بالسرديات الغائية الكبرى، وذلك على العكس تماما من فوكو الذي اندرج فكره ضمن تيار ما بعد حداثي وما بعد بنيوي ينزع إلى التفكيك؛ ثم إن صرامة أسلوب هيجل الأكاديمي وجفافه يتعارض إلى حد بعيد مع الطابع غير النسقي، المحرض والجريء، الذي ميز طريقة فوكو.. على الرغم من هذا تسعى صاحبة هذا الكتاب إفانجيليا سيمبو إلى اقتراح قراءة تؤلف بين هيجل وفوكو، بين الفينومنولوجيا والجينيالوجيا (من بين الأسباب التي جعلتها تفكر في التأليف بين هيجل وفوكو كون هذا الأخير ارتبط تكوينه الأكاديمي بأحد أكبر دارسي هيجل ومؤوليه وهو جان هيبوليت الذي أشرف على رسالته). فهي ترى أن فينومنولوجيا هيجل وجينيالوجيا فوكو ساهمتا معا، على الرغم من الفروق القائمة بينهما، في جعل الفلسفة ترى إلى أبعد من الثنائيات: ذات/موضوع، نظرية/ممارسة، كوني/خاص، عقل/طبيعة، ذهن/جسم، التي تحكمت في الترث الفلسفي كله تقريبا. إحدى الأطروحات الرئيسة في الكتاب تقضي بأن هذه الثنائيات تعد جزءا لا يتجزأ من تصور تأسيسي (foundational) للفكر، وتبين أن هيجل وفوكو بإقلاعهما عن الاستناد إلى هذه الثنائيات كانا يتوقان، كل بمنهجه، إلى صوغ تصور غير تأسيسي عن الفكر والمعرفة. صاحبة الكتاب ترى في الفصل الأخير من الكتاب أن التأليف الجدلي الذي تقترحه على امتداد فصول الكتاب بين منهجي هيجل وفوكو يستطيع أن يوصلنا إلى معرفة في العلوم الاجتماعية خالية من الاقتضاءات؛ أي أن هذا التأليف يسمح في نظرها بالانطلاق من فكرة التجربة الفينومنولوجية والاعتراف بأن الناس كائنات شاعرة من جهة، والإقرار في الآن ذاته بأن الأفراد في مجتمع بعينه يكونون ممسوكين بعلاقات السلطة التي يمكن أن تكون خارج نطاق مراقبتهم. حسب هذا التصور يسمح التأليف بين هيجل وفوكو بالنظر إلى الكائنات البشرية من حيث إنها تستطيع أن تدرك النواقص و/أو التناقضات الكامنة في الفهم الذي تكونه عن العالم والحياة الاجتماعية والسياسية وأن تراجع فهمها، وفي الآن ذاته يأخذ التأليف في حسبانه اندراج الكائنات البشرية في علاقات السلطة التي يمكنهم ألا يشعروا بها أو يكونوا في وضع لا يستطيعون الكشف بوضوح عنها. هذا التأليف الجدلي بين الفينومنولوجيا والجينيالوجيا يتحدى في نظر صاحبة الكتاب النزعة الوضعية (الجديدة) في الوقت الذي يكشف فيه قصور الهيرمينوطيقا...


Evangelia Sembou. Hegel's Phenomenology and Foucault's Genealogy (Classical and Contemporary Social Theory). Ashgate Publishing Company (2015), 126 pages.

ليست هناك تعليقات: