17‏/02‏/2019

سلافوي جيجيك: عن القريب



تعرض سلافوي جيجيك في ثنايا حواره أدناه (2017) إلى مسالة القريب (neighbour).  من جملة ما ذكر في هذا السياق ما يلي (أترجم هنا ببعض التصرف): "أن بعض قراء الإنجيل النابهين يعرفون معنى القريب. أنا لا أتفق عموما مع ليفيناس. لكنني وجدته قد تعرض هو أيضا لهذه المسألة بدقة. اتركني أعرف لك من هو القريب في الحياة اليومية. هبْ أنني أعرفك وأنت تعرفني منذ سنوات أو عقود كثيرة. هنا لا أكون قريبك، بل أكون صنوَك أو زميلك، أي الانسان الذي يشبهك والذي يمكنك أن تتعامل معه وتتماهى معه... الخ. تصور أنني فجأة قمت بشيء مفاجئ لك، شيء رهيب، ربطت طفلا بالحبال مثلا، أو عذبت حيوانا أو أي شيء آخر فظيع قد يخطر أو لا يخطر على بالك...ستقول هل كنتُ حقا أعرف هذا الشخص؟ ما هذه الهوة السحيقة المظلمة التي أنا أمامها؟ هنا بالضبط تكون أمام القريب. هذه اللحظة التي تستبد بك فيها الحيرة من هول ما رأيت مني هي اللحظة التي أكون فيها قريبك الذي يتعين عليك أن تحبني فيها. في لحظة الانفتاح الوجودي هذه على الآخر نكون أمام القريب الذي يتعين علينا أن نحبه. القريب هنا قد يكون أباك الذي رأيت منه ما لم يخطر على بالك أو أمك أو زوجك أو أي شخص آخر.. ".





يستوحي جيجيك هنا معنى قويا وجذريا للقريب، يختلف عن القريب الليبرالي (أي القريب كما هو رائج عند دعاة التعدد الثقافي). القريب الليبرالي هو القريب الذي نزعنا منه غيريته واختلافه. إنه القريب الذي يُفترض فيه ألا يخرج عن الإطار الذي رسمناه له ويَقبل أن يمارس اختلافه ضمن ذلك الإطار. الليبراليون رأسماليون حتى النخاع في هذه النقطة. لتعميم الاستهلاك تمكنت الرأسمالية من أن تجعلك حتى لو لم تكن تشرب الخمر أن تشرب الخمر المنزوع الكحول (البيرة الحلال كما نسميها !)، و تجعلك حتى لو لم تكن تشرب القهوة أن تشرب القهوة منزوعة الكافيين..الخ الليبراليون يمكنهم أيضا أن يحبوا الآخر ويرضوا عنه بعد إتلاف اختلافه ونزع غيريته...!

ليست هناك تعليقات: