22‏/04‏/2012

هابرماس والتمييز الكانطي بين العقل والإحساس



يذهب رورتي إلى أن الفلاسفة الكانطيين يلحون على أن العدالة تنبع من العقل، والولاءَ ينبع من الإحساس. العقل وحده في نظرهم يستطيع أن يفرض الواجبات الأخلاقية الكونية غير المشروطة، والواجب الذي يفرض علينا أن نكون عادلين واجب نابع من العقل. وهو مستوى مختلف تماما عن مستوى العلاقات العاطفية التي تولد فينا الولاء. ويعد هابرماس الفيلسوف المعاصر الأبرز الذي يلح على هذه الرؤية الكانطية إلى الأمور. إنه المفكر الأقل استعدادا من بين أقرانه لزحزحة الخط الفاصل بين العقل والإحساس أو الخط الفاصل بين الصلاحية الكونية والتوافق التاريخي. غير أن الفلاسفة المعاصرين الذين ينطلقون من كانط ويذهبون إما في اتجاه هيوم (مثل أنيت بايير)، وإما في اتجاه هيجل (مثل تشارلز تايلور)، وإما في اتجاه أرسطو (مثل ألسدير ماكينتاير) فليسوا متيقنين مثل هابرماس من صرامة هذا الفصل.

 
تعليق:
إن هابرماس متشبث بالفعل بالكانطية في هذه النقطة. فهو على الرغم من إنصاته إلى النقد الذي وجهه أسلافه في مدرسة فرانكفورت إلى العقل لم يسايرهم في كل ما ذهبوا إليه، بل أبقى على إيمانه الكانطي بوجود عقل نواة لا يمكن إتلافه أو خلطه خلطا بالإحساس.. لهذا السبب ظل مقتنعا بانفصال العدالة (والواجب) عن الولاء الذي يضرب بسهم في الإحساس (والعاطفة). رورتي ينتقده في هذه النقطة لأنه يرى أن العدالة (والواجب) لا تعدو أن تكون نابعة هي أيضا من الإحساس. إشارة رورتي إلى أنيت بايير وإلى تايلور وإلى ماكنتاير فيها تعريض بموقف هابرماس.. لكأني به يريد أن يقول لهابرماس: إنك أنت الوحيد الذي لا تزال تؤمن اليوم بالفصل الكانطي بين العقل والإحساس.. وهذا التأويل – لعمري - يبقى تأويلا في نهاية المطاف لموقف هابرماس ولمواقف هؤلاء الفلاسفة. يمكن لهابرماس أن يرده ويدعي أن فلسفته في شق منها سياسيةٌ، ولا يمكنه أن يساير رورتي في مواقفه المتهكمة التي لا تلتزم بطرح أي بدائل سياسية. باختصار يمكن القول إن نقد رورتي هام من الناحية الفلسفية ووارد جدا؛ لكنه قاصر تماما من الناحية السياسية.. هابرماس أعنى بالسياسية في هذه النقطة منه بالفلسفة.. لكن، قد يتساءل المرء هنا لماذا أعرض رورتي عن ذكر رولز مع الفلاسفة الثلاثة (بايير وتايلور وماكنتاير)؟ !..

Richard Rorty (2007) Philosophy as Cultural Politics (Philosophical Papers, Volume 4). Cambridge University Press, p. 44.

ليست هناك تعليقات: