20‏/05‏/2012

عن المعنى ومعرفة المعنى





ليس هناك في نظر سورل (J. R. Searle) مجال فلسفي مملوء بالمسبقات الإبستيمية اليوم كمجال فلسفة اللغة. ففريجه (G. Frege) على سبيل المثال لم يكن يعبأ في تحليله للمعنى بالقضايا الإبستيمية. لكننا عندما ننظر إلى الأعمال التي كتبها من جاؤوا بعده في القرن العشرين نلفيها أعمالا حولت الأسئلة المتصلة بالمعاني إلى أسئلة تتصل بمعرفة المعاني. إن هذا التحويل كان مدمرا في نظر سورل وفي غير محله. والمشكل هو أن الناس مازالوا مصرين عليه ومستمرين فيه. فهناك تيار جارف في فلسفة اللغة يعتقد أن السؤال الرئيس هو الآتي: ما نوع البرهان الذي ينبغي أن يكون في متناول السامع عندما يسند معنى إلى ما يقوله المتكلم؟ بعبارة أوضح: ما نوع البينة التي ينبغي أن تكون في متناولي لكي أستطيع عندما تنطق أنت بكلمة "أرنب" أن أحكم بأنك تعني ما أعنيه أنا بـ "أرنب"؟

ج. سورل



لم يكتف الفلاسفة في جوابهم عن هذا السؤال بما يمليه الموقف الإبستيمي إزاء مسائل تتصل ببت المعنى، بل تخطوا ذلك إلى طرح قضايا تتعلق بالطبيعة القصوى للمعنى. فقد أمسى تحليلهم للمعنى يستند كله إلى أنواع البراهين التي يمكن أن تكون في متناول السامعين حول ما يعنيه المتكلمون. بعض الفلاسفة الذين ذاع صيتهم (يقصد هنا كواين) ظنوا أن السؤال المعرفي يفتح الطريق أمامنا للجواب عن السؤال الأنطلوجي؛ أي ظنوا أن الوقائع المتصلة بالمعنى تنهض كلها على البراهين التي يمكن أن تكون في متناولنا عن المعنى. بيد أن سورل يعتقد أن هذه الرؤية المنتشرة في فلسفة اللغة وفي العلوم وفي الفلسفة بوجه عام تعد رؤية خاطئة. إنها رؤية يبدو منها كأنها ترى إلى المعرفة في الفيزياء محصورة حصرا في معرفة التجارب وقراءة القياسات؛ لأننا نستعمل التجارب ونقرأ القياسات في أثناء اختبار معرفتنا بالعالم الفيزيائي. وإذا كان هذا المذهب في الإمساك بالمعرفة الفيزيائية خاطئا، فإن من الخطأ أيضا القول إن الوقائع المتصلة بالمعنى تعد وقائع تتصل بالظروف التي يستعمل فيها الناس العبارات. ففي هذه الحالة ننظر إلى الظروف التي يستعمل فيها الناس العبارات ونرى فيها برهانا مكينا للحكم على ما يعنونه بها. إن هذا الانحياز الإبستيمي لا يعدو أن يكون خطأ فلسفيا تسرب إلى عقول الناس وأصبح راسخا في عصرنا هذا الذي نعيش فيه.

ليست هناك تعليقات: