26‏/04‏/2014

مفهوم السياسة عند رانسيير



"إن معظم الأمور التي اعتدنا على إدراجها في مجال السياسة، يضعها رانسيير (J. Rancière) في مجال آخر يختلف عن السياسة يسميه بــ 'التدبير'. لهذا السبب يميز رانسيير بين التدبير والسياسة. مجال التدبير يتضمن، في نظره، المؤسسات والعمليات التي تحكم تنظيم الجماعات وتمثيلَها، كما يتضمن صيغ ممارسة السلطة المختلفة، بما في ذلك الأنحاء التي تُوزَّع بها الأدوار الاجتماعية، والأنحاء التي يقع بمقتضاها تسويغ هذا التوزيع وإضفاء الشرعية عليه. اللفظ الفرنسي الذي يستعمله رانسيير للدلالة على 'التدبير' هو (Police). لم نترجم هذا اللفظ بـ 'شرطة' بل اقترحنا لفظ 'التدبير'؛ لأن الشرطة بمعناها المعروف ليست إلا مظهرا أو تجليا عارضا، كما يقول رانسيير، لما يقصده بالمفهوم [...] مجال التدبير يُعوِّل فيه رانسيير على أعمال فوكو. وهذا الأخير لا يقصد به الجهاز القمعي المعروف الذي تتوسل به الدول لفرض هيمنتها وتنفيذ سياساتها، بل يقصد به الجهاز الذي كشف عنه في أبحاثه حول كتابات القرنين السابع عشر والثامن عشر والذي يرادف تقريبا النظام الاجتماعي برمته. أما الأفراد الذين يلبسون البذلة ويحملون السلاح ويضعون على رؤوسهم القبعة ويجوبون الشوارع جيئة وذهابا فليسوا في الحقيقة إلا جزءا من جهاز أوسع هو النظام الاجتماعي بأكمله. أما السياسة (la Politique) فلا تبرز حسب رانسيير إلا لكي تنازع التدبير وتُبرز الحيف الذي ينهض عليه وتفتح بابا للتحقيق في دعوى المساواة التي يرفعها. بعبارة أخرى، إذا كان النظام التدبيري لا يكف عن الإدعاء بأن إجراءاته عادلة تصدر عن المساواة بين الأفراد، فإن السياسة تتدخل لكي تقول: إذا كان الناس متساوين فإن بإمكان الفرد الذي يحتل موقعا أن يحتل مبدئيا موقعا آخر مختلفا، ولتبين استنادا إلى هذا أن التراتبية التي يقيمها النظام التدبيري تحكميةٌ لا تستند إلى أي مبدأ. السياسة بعبارة أوضح تأتي لتُحرج النظام التدبيري بكشفها عن تناقضاته التي لا يستطيع احتواءها: ادعاؤه المساواة بين أفراد الجماعة واستناده في الآن ذاته إلى تراتبية تنظيمة تناقض المساواة المدعاة في الصميم. يوجد بعض التوازي بين هذه الثنائية وثنائية هابرماس: سلطة إدارية/ سلطة تواصلية. لكن على الرغم من هذا التوازي سنلاحظ أن رانسيير يرتب على ثنائيته (تدبير/سياسة) موقفا بالغ الجذرية".

*- الهامش (7) في مقالي عن هابرماس ورانسيير، قيد الطبع في صيغتين مختلفتين ضمن كتابين (الماركسية الغربية وما بعدها) إشراف د. علي عبود المحمداوي، و (الفرجة والمجال العمومي) إشراف د. خالد أمين.

 جاك رانسيير

ليست هناك تعليقات: