25‏/12‏/2006

ديكارت والفلسفة الحديثة

ديكارت


لقد بين بيرغسون في مقال له بعنوان "الفلسفة الفرنسية" (1915: 236- 256) الدور الذي لعبه ديكارت في الفلسفة الحديثة. وكشف بيرغسون في هذا المقال عن مستويات رئيسة في فلسفة ديكارت يقع بعضُها تحت بعض لم تستطع الفلسفة بعده أن تتخلص منها أو تضرب صفحا عنها. ففي مستوى أول تمثل الفلسفة الديكارتية فلسفة الأفكار "الواضحة والمتمايزة"، أي فلسفة خلصت الفكر الحديث من أسر التقليد وجعلته بحثا عن الحقيقة والبداهة. وعندما ننـزل قليلا من هذا المستوى ونشرع في الفحص عن معنى "البداهة" و"الوضوح" و"التمايز" نهتدي إلى أن وراء هذه المفاهيم نظريةً عامة ومفصلة في المنهج. فحينما ابتدع ديكارت هندسة جديدة، وحلل استنادا إليها فعل الإبداع الرياضي، ووصف شروط هذا الإبداع؛ انتهى من ذلك إلى وضع مساطر عامة للبحث أملتها عليه تلك الهندسة التي توصل إليها.

وعندما ننظر مليا أيضا في هذا التوسيع الذي أجراه ديكارت على الهندسة، نهتدي إلى أنه كان يستند إلى نظرية عامة في الطبيعة تقضي بأن الطبيعة آلة عظمى تحكمها قوانين الرياضيات. وبهذا يكون ديكارت قد زود الفيزياء المعاصرة بإطارها الذي تعمل فيه، أي بذلكم الإطار الذي لم تبرح حدوده إلى يوم الناس هذا، وأعطى الناسَ أصل كل تصور آلي للكون.

ونعثر أسفل هذه الفلسفة الطبيعية على نظرية مفصلة عن الذهن، أو عن "الفكر" كما يقول ديكارت؛ أي نعثر على مجهود لرد الفكر إلى عناصر بسيطة. وهو المجهود الذي عبد الطريق أمام أبحاث لوك وكوندياك. ونعثر خصوصا على تلكم الفكرة التي تقول إن الفكر سابق في الوجود، وأن المادة شيء لاحق بعد ذلك أو فائض ولا يوجد إلا من حيث إنه تمثيل ذهني. ومن هذه الفكرة اشتُقت كما لا يخفى على أحد المثاليات الحديثة كلها، وخصوصا مثالية الفلاسفة الألمان.

وتحت فتحت، في عمق نظرية الفكر الديكارتية نعثر على محاولة تروم رد الفكر، أو قسم منه على الأقل، إلى الإرادة. ومن هذه الجهة نستطيع القول إن الفلسفات "الإرادية" التي انتشرت في القرن التاسع عشر ارتبطت ارتباطا وثيقا بديكارت. ولن نتخطى المقصود إذا قلنا إن الديكارتية كانت في مستوى من مستوياتها "فلسفة حرية".

هناك 7 تعليقات:

غير معرف يقول...
أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.
غير معرف يقول...

هذا ما أحتاج بالضبط . كل الشكر

غير معرف يقول...

شكرااااااا

غير معرف يقول...

انه جميل شكرا للك

موقع قناة الاقصى الفضائية يقول...

جميل جدا أخي شكرا لك

دعاء يقول...

انا مترجمة ولدي عمل فلسفي متعلق بفلسفة اللغة أقوم اللغة أقوم بترجمته ما هي المواقع التي تنصحني بها للوصول لأسماء الفلاسفة الصحيحة والنظريات الفلسفية

mustafa يقول...

أشكرك على تعليقك، وأقول لك إن مواقع الفلسفة على الإنترنت كثيرة ومتنوعة. هناك مواقع مفيدة وهناك أخرى يُسنحسن أن تعرضي عنها. بالنسبة إلى اشتغالك بالترجمة لم تخبريني عن أي اللغات تترجمين: عن الفرنسية أم عن الإنجليزية أم عن لغة أخرى..؟