28‏/12‏/2006

سورل والغرفة الصينية


يقول سورل في المرجع الذكور في الهامش أدناه:

"إن إحدى الطرق في اختبار نظرية الذهن، أيا كانت هذه النظرية، هي أن نتساءل عما قد يكون عليه الحال إذا ثبت أن ذهني يعمل حقا استنادا إلى المبادئ التي تقول هذه النظرية إن أذهان الآخرين تعمل استنادا إليها... هب أنني أُدخلت إلى غرفة تصلني وأنا محبوس فيها كمية ضخمة من الأوراق مكتوبة باللغة الصينية. وتصوروا أنني (وهذا ـ لعمري ـ أمر حقيقي) لا أفقه شيئا في الصينية، سواء أكان هذا الشيء مكتوبا أم شفهيا؛ وأنني لست قادرا حتى على تَعرُّف الكتابة الصينية بوصفها كتابة صينية، أي كتابة تختلف عن الكتابة اليابانية أو عن خربشات غفل لا معنى لها. فالكتابة الصينية ليست بالنسبة إلي سوى مجموعة من الخربشات غير مفهومة. تصوروا الآن، بعد الكمية الأولى من الكتابة الصينية التي وصلتني من خارج الغرفة، أنني زُوّدت بكمية أخرى، مصحوبة بمجموعة من القواعد تربط وتصل الكمية الأولى بالكمية الثانية. وهذه القواعد مكتوبة باللغة العربية [سورل يتحدث عن الأنجليزية بالطبع]، وأنا أفهم العربية فهما لا يقل عن فهم أي فرد آخر لغته الأم هي العربية مثلي. تسمح لي هذه القواعد بربط مجموعة من الرموز الصورية بمجموعة أخرى من الرموز الصورية، وكل ما تعنيه كلمة "صوري" هنا هو أنني أستطيع أن أميز الرموز استنادا إلى صورها فقط لا غير. تصوروا الآن أنني مُنحتُ مجموعة ثالثة من الرموز الصينية مصحوبة بتعليمات جديدة باللغة العربية تمكنني من الوصل بين عناصر هذه المجموعة الثالثة وعناصر من المجموعتين السالفتين، وأن هذه القواعد تأمرني بأن أعيد بعض الرموز الصينية ذات الصور الخاصة استجابة لبعض الصور الواردة في المجموعة الثالثة. ومن دون أن أعرف، يسمي الناسُ الذين يزودونني بهذه الرموز من خارج الغرفة المجموعة الأولى "خطاطة" (script)، والمجموعة الثانية "سردا" (story)، والمجموعة الثالثة "أسئلة". زد على هذا إنهم يسمون الرموز التي أعيدها إليهم استجابة مني للمجموعة الثالثة "أجوبةً عن الأسئلة"، ويسمون مجموعة القواعد المكتوبة بالعربية "برنامجا". تخيلوا الآن، في إطار إضفاء بعض التعقيد على هذه القصة، أن هؤلاء الناس يمنحونني أيضا سرودا باللغة العربية أفهمها، ويضعون علي بعد ذلك أسئلة بالعربية حول هذه السرود، وأقوم بجوابهم عنها بالعربية. تصوروا أيضا أنني بعد وقت معين أصبحت دَربا في اتباع التعليمات التي تأتيني بشأن التحكم في الرموز الصينية، وأن المبرمجين صاروا مع الوقت مهرة في كتابة البرامج، إلى حد أصبح فيه الناظر من الخارج ـ أي من خارج الغرفة التي أنا محبوس فيها ـ غير قادر البتة على التمييز بين الأجوبة التي أقدمها عن الأسئلة، والأجوبة التي يمكن أن يقدمها شخص لغته الأم هي الصينية. لا أحد يستطيع، وهو يرى أجوبتي، أن يقول عني إنني لا أتكلم اللغة الصينية. تصوروا أن أجوبتي بالعربية عن الأسئلة التي تصلني بالعربية لا يمكن تمييزها عن تلك التي ينتجها متكلمون لغتهم الأم هي العربية، والسبب في ذلك هو أن لغتي الأم هي العربية أيضا. فمن الزاوية الخارجية ـ أي من زاوية من يقرأ إجاباتي ـ لا تقل الأجوبة التي أقدمها عن الأسئلة العربية جودة عن تلك التي أقدمها عن الأسئلة الصينية. لكن ما أقوم به في الحالة الصينية، على عكس الحالة العربية، هو أنني أنتج أجوبة عن طريق التحكم في رموز صورية غير مُؤَوَّلة. فتصرفي وأنا أتعامل مع الصينية يشبه تصرف الحاسوب؛ أي أنني أُجري عمليات صورية على رموز مخصصة على نحو صوري. فيما يتصل بالصينية لستُ سوى حالةٍ تنفذ برنامج حاسوب".

*Searle, J. R (1980) « Minds, Brains, and Programs » in The Behavioral & Brain Sciences. 3, pp. 417-457. pp.417-418.



تعد هذه الحجة من أقوى الحجج التي صيغت لصد ما يعرف في الأدبيات بـ أطروحة الذكاء الاصطناعي في صيغتها القوية. وتوجد اعتراضات كثيرة على الحجة؛ نذكر من بينها الاعتراض النسقي:

إن حجة الغرفة الصينية تبرهن فعلا على أن سورل لا يفهم اللغة الصينية؛ لكنها لا تنفي أن يكون النسق في مجموعه ـ أي سورل وكتاب القواعد ورزمات الأوراق والغرفة ـ نسقا يفهم اللغة الصينية. بعبارة أوضح إذا كان لنا أن نسأل النسق في مجموعه عما إذا كان يفهم اللغة الصينية، فإنه سيجيبنا، لو كان يستطيع الكلام، بأنه يفهمها. فسورل الذي يقول في حجته إنه لا يفهم اللغة الصينية لا يعدو أن يكون مكونا فرعيا من مكونات النسق. بعبارة أجلى وأوضح: إذا كان الجزء من الكل لا يستطيع أن يفهم الصينية ـ وسورل هنا جزء من نسق فهم الصينية العام ـ فإن هذا لا يعني أن الكل لا يفهم الصينية.

هناك تعليقان (2):

rawad يقول...

أخي العزيز كاتب النص
قرأت ما كتب و انا معجب جدا بقدرتك على التعامل مع هذه الأفكار، أنا أدرس في المملكة المتحدة حاليا في مجال ذا صلة بالموضوع المشار اليه اعلاه وتحديدا في مجال الادارك المحوسب. حاولت ان اجد بريد للتواصل معك فلم أجد أرجو ان ترسل لي بريدا وانا ساتواصل معك ، عنواني هو
rawadhmd@gmail.com

غير معرف يقول...

السلام عليكم

موضوع رائع بحق ^_^

أشكرك جزيل الشكر ..