يتعين علينا ونحن نتحدث عن مثالية هيجل أن نحتاط كثيرا ونتحرى الدقة ما
أمكننا ذلك. فهو يذهب إلى أن الفكر هو الأساس الذي يتحدد استنادا إليه العالم. غير
أن المقصود بالعالم هنا ليس العالم كما نعيشه ونجربه، بل العالم كما هو في جوهره
بإطلاق. بهذا المعنى يكون الفكر هو الجوهر المكون للأشياء كما نعيشها ونجربها.
عندما يدعي الفيلسوف الواقعي المتطرف أن الواقع يُفصِّل ذاته إلى وحدات أو أجناس وأنواع..الخ
على نحو مستقل عن الكيفية التي يفكر بها الناس، فإن هيجل يرى في ما يقوله هذا
الواقعي إقرارا واعترافا بحضور الفكر في العالم وفي الطرق والأنحاء المخصوصة التي
تُحَدَّد بها أشياؤه (اي الوحدات أو الأجناس والأنواع...). ولعل هذا ما دفعه إلى
القول إن الفلسفة، أيا كان ميلها المُعلَن، فلسفة مثالية، أو تقبل الاشتقاق من
مبدأ مثالي أو العودة بالتأويل إليه. مثالية هيجل ليست من جنس مثالية بيركلي كما
قد نظن. هذا الأخير جعل الواقع متوقفا على من يفكر فيه. الأمر بالنسبة إلى هيجل يختلف
كثيرا عما عليه الحال لدى بيركلي. هيجل يرى أن بنيةَ الفكر ونشاطَه حاضران قبل أن
تكون هناك كائنات عاقلة تفكر، أي حاضران في الطريقة التي يمكن للفيلسوف الذي يأتي
لاحقا أن يقول عنها إنها غير مكتملة، ولا تبلغ اكتمالها إلا في عملية التحديد
الذاتي التي تنطلق على قدم وساق عندما ننطلق في التفكير.
هناك تعليق واحد:
شكرا على تبيان هذه النقطة المهمة..لدي سؤال هنا: هل معنى هذا أن تطور العقل في التاريخ، هو تطور بمقتضى وعي ذاتي يحققه هذا العقل بذاته عند القيام بالتفكير من طرف الكائنات العاقلة؟ هل معنى هذا ان التطور والتقدم والسير قدما عند العقل الكلي (المطلق) رهين بعمليات الرجوع إلى الذات لاستيعابها واستيعاب مبادئها؟ أمعنى هذا أن التطور هو في أساسه ليس أكثر من عمليات ارتداد على الذات؟
إرسال تعليق